عودة زعماء موارنة الى نغمة المطالبة باستعادة حقوق المسيحيين وإن موسمياً، تبدأ بانتخاب رئيس للجمهوية كونه أعلى منصب ماروني في الدولة ومن دونه يصبح اللبنانيون على اختلاف اتجاهاتهم ومشاربهم ومذاهبهم مطالبين باستعادة لبنان أولاً.
والواقع أن حقوق المسيحيين يستعيدها لا بل يحافظ عليها المسيحيون أنفسهم. بوحدة موقفهم من القضايا الوطنية والمصيرية وليس بتفرقهم وتشتتهم وتعدد مواقفهم وأدوارهم.
لقد كان للمسيحيين بموجب دستور ما قبل الطائف صلاحيات واسعة في الدولة لكن بعض رؤساء الجمهورية اساؤوا استخدام هذه الصلاحيات فأثاروا عليهم نقمة شريكهم المسلم الذي ذهب قادته الى مؤتمر الطائف موحدي الموقف في المطالبة باعادة النظر في هذه الصلاحيات، في حين ذهب القادة المسيحيون اليه منقسمين ومنهكين من حربين: “حرب التحرير” التي كانت أكبر منهم فخسروها، و”حرب الالغاء” التي كانت حرب صراع على السلطة في ما بينهم، ومن يومها كانت بداية شعورهم بالتهميش والاحباط.
في ظل الوصاية السورية، وعندما توحدوا في المطالبة بخروج القوات السورية من لبنان وجعلوا شريكهم المسلم بغالبيته يتوحد معهم تحرر لبنان من الوصاية السورية، لكن عندما عادوا واختلفوا على تشكيل اللوائح الانتخابية، وانضم فريق منهم الى تكتل 14 آذار وفريق الى 8 آذار فقدوا دورهم وقيادتهم وبات الدور والقيادة لسواهم. فلا اتفقوا على انتخاب رئيس للجمهورية ولا على تشكيل حكومة ولا على قانون جديد للانتخابات، الى أن وقعت احداث 7 أيار الشهيرة التي لم يكن ثمة خروج منها إلا بعقد مؤتمر في “الدوحة” فرض على الجميع حلولاً بعضها مخالف للدستور لكن انقاذ لبنان كان أهم من أي دستور. وكان لهذا المؤتمر الفضل في اخراج لبنان من أزماته وذلك بانتخاب مرشح توافقي من خارج اصطفافات 8 و14 آذار هو العماد ميشال سليمان وتشكيل حكومة وحدة وطنية توزعت فيها المقاعد الوزارية حصصاً على القوى السياسية الأساسية في البلاد، مع اعتماد قانون الستين معدلاً أساساً لاجراء انتخابات نيابية، وهو القانون الذي وضع في عهد الرئيس فؤاد شهاب كحل موقت ولمرة واحدة، ومع ذلك فان زعماء مسيحيين اعتبروا انه قانون جيد يعيد للمسيحيين حقوقهم ويمكنهم من اقامة “جمهورية ثالثة” لم ير اللبنانيون وجهاً لها إلا على لوحات الاعلانات…
ولكي لا يعود اللبنانيون الى دوحة جديدة تفرض عليهم ما فرضته الدوحة السابقة، كان الحوار بين “تيار المستقبل” و”حزب الله” الذي كان يؤمل منه التوصل الى اتفاق لا على حل لمشكلة سلاح الحزب ولا على تدخل هذا السلاح في الحرب السورية إنما على انتخاب رئيس للجمهورية لأنه الموضوع الملح والأكثر ضرورة من أي موضوع آخر. لكن هذا الحوار لم ينتج عنه حتى الآن سوى ترطيب الاجواء للحؤول دون قيام فتنة سنية – شيعية. وازداد أمل اللبنانيين بامكان الخروج من أزمة الانتخابات الرئاسية بالحوار بين “القوات اللبنانية” و”التيار الوطني الحر” واذا به ينتهي الى ورقة “اعلان نيات”، يتضمن مشاريع لا يمكن البحث فيها تمهيداً لاقرارها الا بعد انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة جديدة واجراء انتخابات نيابية ينبثق منها مجلس نيابي جديد يضع حداً لمهزلة التمديد المتكرر للمجلس الحالي. لكن هذا الحوار لم ينتج عنه حتى الآن سوى ترطيب الأجواء بين الحزبين لمنع قيام “حرب الغاء” جديدة بدأت ملامحها في الجامعات، وهذا أمر جيد لأن الأولوية في المرحلة الدقيقة الراهنة هي للحفاظ على استمرار الأمن والاستقرار كي لا يصاب لبنان بعدوى حروب الدول المحيطة به لذلك فان استعادة حقوق المسيحيين تبدأ بالاتفاق على انتخاب رئيس للجمهورية، وبالاتفاق على قانون جديد للانتخابات النيابية يحقق المناصفة الفعلية لا الورقية كي تجرى انتخابات نيابية حرة ونزيهة تحقق التمثيل الصحيح لشتى فئات الشعب واجياله، ثم تشكيل حكومة تباشر اجراء الاصلاحات برؤية مسيحية – اسلامية مشتركة تعطي لكل ذي حق حقه.
لكن كيف يمكن استعادة حقوق المسيحيين ولا اتفاق على انتخاب رئيس ولا على قانون عادل ومتوازن للانتخابات النيابية كي يعاد تكوين السلطة واقامة الدولة القادرة والعادلة التي تساوي بين الجميع وتعدل بين الجميع وتستعيد أولاً حقوق لبنان من خارج يتسلط عليها ويصادرها. فباستعادة هذه الحقوق يستعيد المسيحيون والمسلمون حقوقهم من دون حاجة للجوء الى الشارع لا بل الى الشرعية، ولا الى استخدام الاقدام إنما العقول…