Site icon IMLebanon

استعادة الـ «تسونامي»: في أمل؟

منذ بداية الحراك الشعبي نحو الرابية تلبيةً لنداء رئيس تكتل التغيير والإصلاح النائب ميشال عون، تسود التكهنات حول الهدف من هذه النشاطات ومدى فاعليتها وتفاعل الناشطين معها. في المبدأ، أتت هذه الدعوة «لنُطلعكم على الأجواء السياسيّة»، كما قال عون في خطاباته أمام الوفود، التي يمكن رصد ثلاث ملاحظات أساسية فيها: أولاها إصراره على تحيتهم بـ»أولاد وأحفاد شعب لبنان العظيم»، في إطار تذكيرهم بقصر الشعب خصوصاً وتعمده الإطلال عبر شرفة الحديقة؛ ثانيتها تركيزه على «المسيحيين» واستهدافهم وفراغ مراكزهم؛ ثالثتها حرصه على إبلاغ الحشود «أننا قد نحتاج أن تقترعوا بأقدامكم في الأيام المقبلة وتنزلوا إلى الأرض كما سبق واقترع أهلكم في بعبدا عامي 1989 و1990».

يجمع الناشطون على أن هذا الحراك هو تمهيد لحراك أكبر قريباً على مستوى شعبي يُعدّ له التيار الوطني الحر. إذ يخطّط عون، بحسب أحد النواب المتنيين، لـ»تتويج هذه اللقاءات بلقاء موسع لإعادة التذكير بوزنه الشعبي وإرساء معادلة جديدة تشبه المعادلة التي فرضها يوم كان في قصر الشعب». ويسود نقاش كبير في أروقة التيار الوطني الحر حول هذه النقطة وقدرة الحشد الشعبي، مهما بلغ عدده، على تغيير معادلة سياسية ما أو حتى التأثير في مجراها. فعندما يقول عون للمحتشدين، مثلاً: «أنتم من سيعيّن رئيساً للجمهورية رغماً عنهم»، يتساءل البعض إلى أي مدى يمكن العونيين فعلاً فرض رئيس للجمهورية، وإذا كان ذلك صحيحاً، فلماذا لم يتمكنوا حتى الساعة من تحقيق مرادهم؟ ويلفت هؤلاء إلى أن الـ»تسونامي» البرتقالي، عام 2005، كان نتيجة تراكم 15 سنة من العمل الإيجابي رغم المنفى، فيما الواقع اليوم أن هناك 10 سنوات من الإحباط والتراكمات السلبية والخسائر المتتالية، لم يتمكن التيار الوطني الحر ولا غيره من الأحزاب المسيحية خلالها من تحقيق إنجاز صغير جداً. لا بل منذ نحو خمس سنوات، لم ينجح التيار في ــــ أو لم يسع إلى ــــ خرق المافيا السياسية الفاسدة، ولا تمكن من ترجمة تصعيده السياسي أفعالاً داخل الحكومة أو مجلس النواب، وفي النتيجة: يصعّد التيار ويقول ما يريده، فيما يتجاهله خصومه ويفعلون ما يريدونه، كما جرى عندما لم ينفع تلويحه أخيراً بشلّ العمل الحكومي في ثني وزير الداخلية نهاد المشنوق عن التمديد للمدير العام لقوى الأمن الداخلي إبراهيم بصبوص لسنتين وليس لثلاثة أشهر! كل ذلك، وفقاً لبعض الناشطين، يُسهم في إحباط الجمهور وتحويل مسألة الحشد الشعبي للمؤيدين في ما بعد إلى مهمة صعبة.

إذ لا يمكن معالجة الإحباط «إلا بصدمة قوية جداً وربح غير متوقع، وهو ما لم يستطع عون تحقيقه حتى الساعة، لا في الملف الرئاسي ولا في قيادة الجيش ولا في مسألة التعيينات. وإن لم ينجح هو في فرض كلمته فلن تنجح أقدامنا في تغيير قيد أنملة وسط هذا الستاتيكو السياسي القائم». والطريقة الأخرى للحشد تكون من طريق «الخوف، فمتى أحست الجماهير بالخوف ولمسته تلبي دعوة النزول الى الأرض. واليوم الخوف من داعش والحركات الإرهابية موجود، ولكنه غير ملموس ويبقى وجهة نظر لدى كثيرين».

التجربة اللبنانية أثبتت حتى اليوم أن أياً من التظاهرات المليونية أو التحركات الشعبية الوازنة لم تتمكّن من تغيير الواقع السياسي، بدءاً «باقتراع الأقدام» أمام قصر الشعب عام 1989 الذي لم ينجح في حماية جنراله، مروراً بكل التظاهرات الشبابية المطالبة بخروج الجيش السوري من لبنان من عام 1990 الى عام 2005، حيث ثبت أن القرار الدولي وحده كفيل بإخراجه عندما يرى الوقت مناسباً. وصولاً الى محاولات قوى 14 آذار لإخراج رئيس الجمهورية السابق إميل لحود من بعبدا بالقوة، ومحاولة العونيين إسقاط الحكومة في 23 كانون الثاني 2007. واليوم، مع فشل التيار في تحقيق أي خرق في الملفات الرئيسية من رئاسة الجمهورية إلى تعيين قائد للجيش إلى فرض قانون انتخابي أو اجراء انتخابات نيابية، تبدو الدعوة إلى حراك شعبي غير مجدية، ما لم يسبقها نجاح سياسي باهر يعيد الأمل والثقة بسياسة التيار الوطني الحر.