IMLebanon

التشكيك المخابراتي نذير فشل الديبلوماسية ترميم وحدة سوريا على الطريقة العراقية!

قبيل انعقاد مؤتمر فيينا الذي جمع في البدء روسيا والولايات المتحدة وتركيا والمملكة العربية السعودية قبل ان تنضم اليها مجموعة من الدول الاقليمية والغربية ومن بينها إيران برز موقفان لمديري المخابرات الفرنسية والأميركية في مؤتمر عقد في واشنطن في 27 تشرين الأول المنصرم حول الاستخبارات وشؤون أمنية. نقل عن رئيس المخابرات الفرنسية برنار باجوليه قوله في المؤتمر “ان الشرق الأوسط الذي نعرفه انتهى الى غير رجعة” مؤكداً ان دولاً مثل العراق وسوريا لن تستعيد حدودها أبداً ومعرباً عن شكوكه ان يعود هذا الشرق الأوسط مجددا. كما نقل عن رئيس المخابرات الأميركية جون برينان انه من الخطأ الذهاب مباشرة في اتجاه البحث عن تسوية نهائية في الوقت الراهن ولا تسويات قريبة. وعلى طريقة المثل العربي القائل بان “السيف اصدق انباء من الكتب”، فان الكلام المخابراتي الذي غالباً ما يكشف رأس جبل الجليد ليس الا، قد يكون معبراً أكثر عن اتجاه الأمور في كل من العراق وسوريا أكثر من مؤتمرات يحاول فيها الديبلوماسيون رصد برودة المياه قبل الدخول في مفاوضات جدية نسبة الى الاجتماع الذي ضم لأول مرة كلاً من المملكة السعودية وإيران. فإيران أظهرت تجاوباً مع الدعوة الى الاجتماع على رغم رفض مرشد الجمهورية الاسلامية التفاوض مع الولايات المتحدة حول المسائل الاقليمية فيما انتقد المرشد اجتماع فيينا الذي اعتبر “حزب الله” للمناسبة ان مقاومته هي وراء دعوة لبنان للمشاركة فيه. وقال المرشد انه من الحماقة ان تجتمع بلدان وتقرر مصير نظام ورئيسه متجاهلاً ما تقدمه طهران من مساعدات لتعويم هذا النظام واستمرار سيطرته على شعبه لا بل محاولة منع الشعب السوري من تقرير مصير الأسد. في حين ان السعودية قبلت ان تكون إيران الى الطاولة بعد رفض مديد لمشاركتها كطرف في الحرب السورية. وهذان التنازلان مهمان وفق مصادر ديبلوماسية باعتبار انهما يظهران ان الطرفين الاقليميين معنيان بالسعي الى ايجاد حلول وعدم تحمل مسؤولية العرقلة إضافة الى عدم ترك الأمور تصل بينهما الى حافة الهاوية. الا ان احتمال التوصل الى تسوية قريبة أو معقولة يبدو مسألة اخرى. فكلام مديري المخابرات الفرنسية والأميركية واضح ليس لجهة استحالة عودة الساعة الى الوراء فحسب، وهو أمر يفترض ان الجميع الى طاولة مفاوضات فيينا يعرفونه من حيث المبدأ وان كان العمل يجري تحت عنوان إعادة ترميم الدولة السورية ومؤسساتها، بل ثمة تساؤل عما اذا كان هذا الكلام تحذيرياً بمعنى وجوب البحث خارج الوصفة التقليدية التي تتمثل بالسعي الى الصيغة القديمة التي كانت قائمة في سوريا والعراق والا كانت المساعي من دون جدوى.

بالنسبة الى كثر لا يبدو الكلام المخابراتي بعيداً عن ترجمة الواقع شأنه شأن التعاطي الديبلوماسي والسياسي مع ازمة ما في ظروف معينة. الا ان هذا لا يمنع ان التشكيك المخابراتي في قدرة حكومة واحدة على فرض سيطرتها على كل العراق أو على كل سوريا مجدداً يبدو وكأنه يستبطن فشلاً مسبقاً للجهود الديبلوماسية التي تسعى من حيث المبدأ الى انهاء الحرب على قاعدة محاولة ترميم الوضع من ضمن الهيكلية المؤسساتية التي كانت قائمة في سوريا. لم تنجح محاولة ترميم العراق على ما هو عليه. ومحاولة ترميم سوريا على نحو مماثل لن تأتي بنتيجة افضل مما هو حاصل في العراق وهو ليس بالأمر الذي يسمح بالقول إن العراق استعاد سيادته. وهو ما سيكون عليه الوضع في ليبيا أو في اليمن على عكس مصر التي لم تصب مثلاً بما اصيبت به هذه الدول من حروب داخلية تدميرية. تقول مصادر سياسية في شرح البنود التي اعلنت في فيينا ان هناك مبادئ عامة لا يمكن لأي طرف ان يخرج عليها كالقول ان هذا الطرف يطالب بتقسيم سوريا أو فدرلتها من أجل المحافظة على نفوذه أو مصالحه فيها، فهذا لا قبل لأحد بتحمل مسؤوليته أو الذهاب اليه في حين ان البحث في التفاصيل لاحقاً أو كيفية تنفيذ ما يكون اتفق عليه من مبادئ هو الذي سيحمل في طياته التغييرات الجوهرية التي لن تسمح بان تعود سوريا الى ما كانت عليه سابقاً.

في نهاية الحرب الأهلية التي مزقت لبنان خلال 15 عاماً تم التسليم لسوريا، التي لعبت أدواراً كبيرة في الحرب وكانت طرفاً فيها في غالبية مراحلها، بالسيطرة على لبنان لقاء إعادة ترميم مؤسساته وهيكليته في مقابل محافظتها على نفوذ كل من له مصالح في لبنان من المملكة العربية السعودية والدول العربية الى إيران فاسرائيل وفرنسا وفق نسب معينة. وتحت عنوان انه ترك للشعب اللبناني ان يقرر مصيره بنفسه كما يقال وتنفيذ اتفاق الطائف الذي انهى الحرب تلاعبت سوريا بتنفيذ الاتفاق ومكونات الشعب من خلال التحكم بسياسييه ومؤسساته من أجل ديمومة سيطرتها على لبنان. لم تتح سوريا نفسها للبنان ان يعود كما كان حتى مع تعديلات دستورية من أجل إرساء توازن مختلف بين مكوناته الطائفية ولعبت دوراً في الاخلال بالتوازن الى حد لم يستعد لبنان نفسه حتى بعد خروج قواتها العسكرية منه قبل عشرة أعوام. اذ طغت مصالحها ومطامعها على مصلحة لبنان وكثر لا يرون لماذا قد يختلف الأمر بالنسبة الى سوريا مع وجود لاعبين كثر لهم مصالحهم فيها وعدم تركها لخصومهم إضافة الى تبدل الموازين الداخلية.