يتفق الجميع على ان منطقة الشرق الأوسط عموماً، وبالتحديد أكثر، المنطقة العربية ومحيطها، تمر بمرحلة خاصة هذه الأيام، بالنظر الى التطورات الحاصلة على أرض الواقع، جراء الانحسار المتتابع للمنظمات الموصوفة «إرهابية» كـ«داعش» و«النصرة» واخواتهما.. وتقلص وجودهما على أرض الواقع بعد المواجهات العسكرية التي كان لبنان واحداً من نماذجها بالانتصار الذي حققه الجيش اللبناني في جرود السلسلة الشرقية وما تلاه من تأييد دولي لافت والتفاف شعبي حول المؤسسة العسكرية، على رغم محاولات البعض من الافرقاء تغليب السجالات والمناكفات العقيمة حول من هو أولاً «البيضة أم الدجاجة»؟!
ليس من شك في ان الدور الذي قام به الجيش اللبناني، معززاً بقرار وغطاء حكوميين، بات جزءاً لا يتجزأ من منظومة مواجهة التنظيمات الارهابية، من غير ان يكون ذلك باباً حتمياً لانجاز الحلول السياسية لأزمات متراكمة في الواقع اللبناني، التي هي في معظمها انعكاس لخلافات وتباين مصالح دولية واقليمية موزعة على أكثر من محور..
لم يكن أمراً سهلاً او مسلماً به، ان يحظى انتصار الجيش اللبناني على «داعش» في الجرود الشرقية المحاذية للحدود السورية، بكل هذا الترحيب والتأييد والاستعداد لدعم المؤسسة العسكرية بكل ما تحتاجه من أسلحة وأعتدة، ضمن سقف بات معروفاً، يحاول الرئيس سعد الحريري اختراقه مع الروس، وتحويل الجيش من مؤسسة حافظة للأمن في الداخل الى مؤسسة قادرة على صد أي تهديدات خارجية، وقد لقي هذا ترحيباً من القيادات الروسية.. بصرف النظر عما ستكون عليه المواقف الاميركية، خصوصاً مع تصاعد التهديدات الاسرائيلية التي تجاوزت كل الخطوط الحمر وتمعن في سياسة ادارة الظهر لكل الموجبات الدولية ولكل حقوق الآخرين، وتروح بعيداً في تهديد لبنان، ويجول قادتها على العديد من دول العالم، ويلتقون الجاليات اليهودية المؤثرة، لتوفير الغطاء الدولي لتحويل التهديدات الى وقائع على نحو التهديدات التي أطلقها وزير الدفاع الاسرائيلي افيغدور ليبرمان واعلانه «ان المواجهة المقبلة المحتملة مع «حزب الله» (في لبنان) ستنتهي لمصلحة إسرائيل..» فيما اعتبر رئيس الكيان الاسرائيلي رؤوفين ريغلين ان هذه المواجهة «ستختلف تماماً عن سابقاتها..» مع تشديد الاثنين – خلال حضورهما المناورة العسكرية التي يجريها الجيش الاسرائيلي ويستحضر مواجهته مع «حزب الله» – على «عظمة الجيش الاسرائيلي وقوة الردع» التي يتمتع بها..
يلعب الكيان الاسرائيلي على وتر التحريض ضد ايران، وهو ماض في ربط أي عمل ارهابي يحصل على مدى العالم بسياسة ايران، ناسياً ان هذا الكيان يشكل الاخطبوط الأكثر خطورة في بث الارهاب والرعب والقلق والابادات الجماعية التي شهدتها الساحات الفلسطينية والمصرية والاردنية والسورية واللبنانية التي نفذها الجيش و»الموساد» الاسرائيليان..
اللافت ان هذا التصعيد يأتي متقاطعاً مع أجواء التبريد التي بدأت تشهدها المنطقة على المحاور كافة.. وهو جاء حافزاً مشجعاً للكيان الاسرائيلي لترفع درجة التأهب الى أعلى مستوى بحجة ما يشكله «حزب الله – ايران» من مخاطر حقيقية عليها.. وقد كشف عديدون عن هذه الخطة الاسرائيلية، بهدف إعادة احتلال أجزاء من الأراضي اللبنانية، في حال اندلع قتال – نزاع جديد مع «حزب الله»؟!
بصرف النظر عن هذا السيناريو، الذي لا يمكن تجاهله او ادارة الظهر له، فإن الجميع (تقريباً في الداخل اللبناني متفقون على ان السلم والأمن والاستقرار في لبنان هو من الثوابت الوطنية الأساسية التي لا يمكن، ولا يجوز تجاوزها.. وفي مقدمة هؤلاء «تيار المستقبل» و»حزب الله»، اللذين، وعلى رغم التباين في العديد من المواقف، متفقان على وضع الخلافات الاقليمية والخارجية جانبا، والتأكيد على ضمان وثبات الأمن والاستقرار في البلد..
في ظل هذه الأجواء والمناخات عاد الحديث من جديد الى ضرورة اعادة الحياة الى الحوار الثنائي بين «المستقبل» و»حزب الله» الذين توقف منذ أشهر، وهو وان لم يصل الى خواتيم استراتيجية إلا أنه مهد الطريق أمام ولادة الحكومة برئاسة الرئيس سعد الحريري كما وأفضى الى تنفيس العديد من الاحتقانات المذهبية..
لقد كان لافتاً في الأيام القليلة الماضية «الغزل السياسي» الآتي من الضاحية الجنوبية في اتجاه «بيت الوسط» الذي عبر عنه نائب الأمين العام لـ»حزب الله» الشيخ نعيم قاسم، الموصوف عادة بـ»المتصلب» بقوله «ان الرئيس سعد الحريري يتصرف بعقلانية ولا مانع من الحوار الثنائي معه..».
لم يدر «المستقبل» ظهره متجاهلاً، وان كانت الأمور لم تنضج كفاية بعد للقاء يتمناه عديدون بين الرئيس الحريري والسيد حسن نصر الله، خصوصاً وان «الرئيس الحريري لم يقطع أساساً، الطريق على أحد في أي شيء، فهو يتابع الحركة مع الجميع بلا تمييز» على ما أشار عضو كتلة «المستقبل» (الموصوف باعتداله) النائب سمير الجسر الذي وان لفت الى ان الظروف غير مؤاتية لمثل هذا اللقاء، فإنه دعا الى وجوب ان تسبق ذلك أمور تمهيدية.. لكن علينا ان نفتح عيوننا جيداً..».
في قناعة عديدين ان «الواقع أقوى من التمنيات» والفريقان يجلسان معاً الى طاولة حكومة «ربط النزاع» – بعيداً عن النكد السياسي، مع وضع المسائل الخلافية جانباً خصوصاً «سلاح حزب الله» وانغماس الحزب في أدوار اقليمية، واعطاء الأولوية لمعالجة الأزمات الداخلية المتراكمة وقطع الطريق على أية محاولة خارجية للاصطياد في المياه العكرة، خصوصاً ان لبنان انتهى من خطر التنظيمات الارهابية..» والأيام المقبلة كفيلة بايضاح أنه اذا كانت الظروف الخارجية تحديداً، لا تسمح باستئناف الحوار الذي بات ضرورة الضرورات، بصرف النظر عن التفاصيل حيث تسكن الشياطين، فإن مصلحة لبنان واللبنانيين لا تسمح أكثر بالتضحية بالبلد والاستقرار والأمن فيه..