تصدر الواقع المعيشي والاجتماعي صدارة المشهد بالامس، مع نزول المتقاعدين الى الشارع في محاولة لايصال صوتهم الى من يعنيهم الامر. صوتهم لم يصل بداية، لان صاحب المقرب قرر السفر لاداء فريضة العمرة، كأن الامور في البلد باحسن حال، فاجهض التحرك دون جهد يذكر وان «معنويا»، وثانيا كون رئيس حكومة تصريف الاعمال نفسه، قد شكى امام وفد من المعترضين سابقا الاوضاع، متباكيا عدم قدرته على حل الازمة من منطق «كلنا بالهوى سوا».
مصادر مواكبة للحراك، اشارت الى ان مساء الاربعاء شهد حركة اتصالات واسعة بين مجموعات المحتجين بهدف تحديد بنك اهداف للتحرك تجاهه، من ضمن سلته منزل وزير المال وحاكم مصرف لبنان ورئيس حكومة تصريف الاعمال، قبل ان ترسو القرعة صباحا على المصرف المركزي في الحمراء، كاشفة ان ما حصل بالامس ليس سوى البداية، وان الامور ذاهبة الى مزيد من التصعيد، واعدة بمزيد من التنسيق بين المجموعات.
هذا واكدت المصادر ان اتصالات جرت مع بعض المجموعات من قبل بعض الاحزاب للمشاركة في التحرك، الا ان القرار المتخذ هو بمشاركة القطاعات العمالية والموظفين فقط، لحصر التحرك في الاطار المطلبي بعيدا عن السياسات الضيقة، وان ابدت مخاوفها في المقابل من محاولة هذه الجهات ركوب الموجة لاجهاض التحركات كما حصل ابان ثورة 17 تشرين.
في الجانب الآخر من المشهد، كانت خطوة لوزير الاشغال العامة، الذي اعلن صراحة بانه قرر بالاتفاق مع حارة حريك واعتبار عقد توسيع المطار كأنه لم يكن، بعد موجة ردود الفعل التي اثارها، رغم ان ثمة مصادر تحدثت عن تواصل الوزير حمية، قبيل مؤتمره الصحافي مع احد نواب تكتل «الجمهورية القوية» عارضا وشارحا بالتفاصيل والارقام دراسة جدوى المشروع، لتطوى بذلك الصفحة دون ان تعرف التبعات السياسية لتلك الخطوة، والمرتبطة بالشركة التي رسا عليها العقد.
في كل الاحوال، وسط هذا المشهد استمر الاخطر تحرك موظفي «اوجيرو»، وما رافقه من تحذيرات لوزير الاتصالات، واجراءات بحثها مع رئيس حكومة تصريف الاعمال افضت الى تهديد مبطن للموظفين بالاستعانة بالجيش لتأمين سير العمل في الهيئة.
وقد وضعت مصادر متابعة الامر في اطار الجدية التي يتم التعامل معها من قبل الاطراف السياسية في ما خص هذا الملف، اذ تشير المعطيات الى ان المعنيين يحاولون سحب كل فتائل التفجير، وبخاصة الاتصالات و»الانترنت»، لما لخطره من نتائج كارثية قد تطيح كل الطبقة الحاكمة، اذ ان توقف «الانترنت» والاتصالات سيؤدي حكما الى توقف العمل عن بُعد الذي يمارسه اللبنانيون مع شركات في الخارج، والذي يشكل مصدر دخل بـ «الفريش» دولار، وكذلك سيؤدي الى توقف شركات تحويل الاموال عن العمل، فضلا عما قد يسببه من اضرار في الداخل على صعيد اكثر من قطاع.
ورأت المصادر ان المطلوب اليوم للتخفيف من حدة الازمة وتأجيل الانفجار، عقد جلسة لمجلس الوزراء لاتخاذ القرارات المالية الملحة، دون اي تأخير، بعيدا عن الحلول الترقيعية، مؤكدة ان المسؤولين جميعا سمعوا كلاما واضحا من الموفدين الدوليين بان اي خروج من النفق لن يكون ممكنا قبل التغيير السياسي والاقتصادي، الذي مفتاحهما انتخابات رئاسية وتطبيق لخطة نهوض اقتصادي، تراعي معايير المؤسسات الدولية.