عادت عجلة حكومة المصلحة الوطنية إلى الدوران بسحر ساحر، وكان أول الغيث اتفاق جميع مكوناتها على حل أزمة النفايات والبدء بالتنفيذ في إطار خطة شاملة سبق للوزير أكرم شهيب أن طرحها على مجلس الوزراء وأكثر من مرّة ولقيت معارضته من بعض مكونات الحكومة من دون أن يقدموا أسباباً مقنعة لهذه المعارضة، سوى عرقلة مهمة المحكومة ودفعها إلى الاستقالة مرغمة لأنها عجزت عن حل هذه الأزمة التي تشكّل خطراً على الصحة العامة بقدر ما تُسيء إلى سمعة لبنان الخارجية، وتضع الدولة في مصاف الدولة الفاشلة، فما الذي تغير حتى تغيرت مواقف المعترضين على الخطة التي وضعها وزير الزراعة المكلف من مجلس الوزراء رسمياً بإيجاد الحلول لهذه الأزمة المتفاقمة منذ ثمانية أشهر والتي حملت المجتمع المدني رغم تحفظنا على أداء البعض منه للنزول الشارع لاعناً الطبقة السياسية الحاكمة ومطالباً بإسقاط الحكومة العاجزة حتى عن إزالة النفايات من الشوارع ومن البيوت، ووقف هذه المهزلة التي شكلت عاراً على جبين الطبقة السياسية من دون استثناء أحد، فلا الخطة التي وضعها الوزير المكلف تغيرت ولا الأداء الحكومي تغير، والشيء الوحيد الذي تغير هو سياسة العرقلة المقصودة التي لجأ إليها البعض، طوال فترة البحث عن حل لأزمة النفايات والتي تبين في ما بعد أن القصد منها هو تعطيل مؤسسة الحكومة الوحيدة الباقية بعدما عطلوا كل المؤسسات الأخرى من رئاسة الجمهورية الشاغرة منذ حوالى ثلاث سنوات إلى مجلس النواب المجدد له والذي لا يجتمع لكي يشرع كما هو دوره إلى ما يتبع ذلك من شل الدورة الاقتصادية في البلاد ووضعها على شفير الهاوية رغم مناشدة الهيئات الاقتصادية المتكررة بضرورة الوعي للمخاطر الناجمة عن الاستمرار في تعطيل المؤسسات الدستورية وفي وقف الدورة الاقتصادية عن العمل، وهذا بدوره يحمل على التساؤل عما إذا كان المعترضون على الخطة أدركوا أخيراً ان الحلول للأزمات الكبرى ما زالت بعيدة أو غير متوفرة في الوقت الحاضر وانه لا بدّ من ضخ الدم في الحكومة لكي تستمر في أداء عملها ولو في الحدود الدنيا حتى لا تسقط كما هدّد رئيسها، وبسقوطها يسقط البلد برمته، فتخلوا عن سياسية العرقلة والمماطلة مجبرين للبقاء على آخر حصون الشرعية في هذا البلد وبانتظار ما ستؤول إليه التحولات المتسارعة التي تشهدها المنطقة بدءاً من سوريا التي دخلت مرحلة حاسمة بعد الانسحاب العسكري الروسي منها ولو كان هذا الانسحاب جزئياً على ما أعلنته موسكو مؤخراً، وهذا هو المرجح أم أن هناك من دعس على أرجلهم للتعجيل في إنهاء أزمة النفايات التي أخذت ترتد عليهم والتفرغ في ظل وجودهم في الحكومة لمواجهة التداعيات المحتملة عليهم جرّاء التحولات التي تشهدها الأزمة السورية ومعها منطقة الشرق الأوسط برمتها، والتي لن يبقى لبنان معزولاً عنها بعد تورط حزب الله في هذا الصراع التي تحول إلى صراع دولي وإلى رسم خرائط جديدة لهذه المنطقة، بدأت تظهر ملامحها الأولى بالقرار الذي اتخذ أكراد سويا بإقامة كونفدرالية قد تمهد الطريق أمام تحول سوريا إلى عدّة كونفدراليات وفق ما أشارت إليه موسكو قبل أسابيع من بدء انسحابها.