المجتمع الدولي لن يتوانى عن نسف هذا الحق في حال تعارض وما يُرسَم لسوريا
البرودة الدولية المستمرة حيال الرغبة اللبنانية في عودة النازحين لا يمكن ان تفسر إلا في سياق سلبي
أتاحت الصفقة – التسوية التي عاد بموجبها 7776 نازحا الى الداخل السوري، تحريك النقاش في مسألة عودة النازحين، وخصوصا ان فريقا وازنا لا يزال ينظر بريبة الى تقاعس المجتمع الدولي حيال هذا الملف الحساس، من باب رغبة عدد من العواصم المعنية بتثبيت هؤلاء – أو معظمهم – في أماكن لجوئهم، ورغبة قوى محلية بعدم إثارة هذه العودة في الوقت الراهن تجنبا لتواصل مباشر مع النظام السوري تفرضه مقتضيات أي عودة.
على هذه الخلفية، أعاد «التيار الوطني الحر» رفع الصوت في اتجاهين:
أ- محليّ عبر حض مختلف الأفرقاء، وخصوصا المعارضين منهم، لمقاربة بديلة ومتجددة لمسألة اللجوء تأخذ في الاعتبار كل ما تراكم من أخطار أمنية وإقتصادية واجتماعية ناتجة من كثافة هذا اللجوء، تمهيدا لوضع استراتيجية متكاملة تؤمن عودة تدريجية وناجعة وآمنة للنازحين السوريين، تُستلهم عناصرها من تسوية حرب جرود عرسال التي أتاحت عودة آلاف النازحين بقرار محليّ بحت بلا أي تدخل خارجي (بمعنى غربي او عربي)، ما خلا التنسيق الذي تولاه المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم مع السلطات السورية بطلب رسمي – حكومي لبناني، سبق أن أشار اليه اللواء إبراهيم.
وترى مصادر سياسية أن التنسيق اللبناني – السوري عبر القناة الأمنية، التي عادة ما كانت تتولى مهمات مشابهة، لم يحرج أياً من القوى الداعية الى عدم التواصل مع النظام السوري منعا «لإضفاء شرعية لبنانية عليه»، لا بل ذهب رئيس الحكومة سعد الحريري الى حد الترحيب بالصفقة وانعكاساتها الإيجابية على عرسال وأهلها، ما يعني أنه في الإمكان الإقدام على عمليات مماثلة – لو محدودة – تجزئ العودة الآمنة للنازحين، وتحدّ في الوقت عينه من التداعيات المتراكمة والمتزايدة لهذا النزوح، ولا سيما آثاره الاقتصادية الهائلة.
ب – دوليّ من خلال تشكيل لوبي سياسي – إعلامي يتحرّك على مستوى عواصم القرار للإضاءة على مخاطر اي توطين مقنّع أو مباشر للنازحين السوريين، مع الأخذ في الاعتبار أن يكون الخطاب المعتمد موضوعيا، قادرا على الإقناع، فلا يثير ما قد تعتبره هذه العواصم عنصرية تجاه النازح، ولا يتيح للمصطادين في الماء العكر الراغبين في تنفيذ مخططات الاستيطان، توظيف أي شطط لإفشال مساعي تثبيت حق عودة النازحين السوريين.
وتلفت المصادر السياسية، في هذا الإطار، الى أن البرودة الدولية المستمرة والتي تكاد تصبح متأصلة، حيال الرغبة اللبنانية في عودة النازحين، لا يمكن أن تفسر إلا في سياق سلبي، نظراً الى أن المجتمع الدولي لن يتوانى عن نسف حق عودة النازحين السوريين – تماما كما آل اليه وضع النازحين الفلسطينيين – في حال تعارضت العودة مع ما يرسم لسوريا على المستويين الجيوسياسي والديموغرافي، بمعنى أن عواصم القرار لن تسمح بأي عائق في طريقها الى إرساء ما تراه مناسبا للمسألة السورية، وهو ما يستدل اليه في ما يحصل شمالا على مقربة من الحدود التركية وجنوبا على التماس مع اسرائيل، من ترسيم لخطوط وهمية هي كناية عن إتحادات فديرالية وربما كيانات ذاتية الدفع.
وترى الأوساط السياسية إياها أن ما يزيد القلق في سياق مخطط تثبيت النازحين في أماكن إستيطانهم الجديدة، ما يتوفر من تقارير دولية ومعلومات ذات مصداقية عالية عن الرغبة في تنفيذ هذا المخطط، وكان آخر ما ورد في هذا الشأن تقرير يتحدث حرفيا عن أنه «من غير المحتمل أن يعود جميع النازحين داخلياً إلى منازلهم ومناطقهم الأصلية. قد يعود البعض، إلا أنّ آخرين، لا سيما في العراق وسوريا، فقد دُمّرت مجتمعاتهم واستولت مجموعات أخرى على منازلهم. وقد شهد التاريخ أنماطاً مشابهة بفعل الحروب الأوروبية الدينية التي وضعت الكاثوليك والبروتستانت ضد بعضهم، وبفعل طرد المسلمين واليهود الإسبان وإجبارهم على الارتداد عن دياناتهم، بالإضافة إلى صراعات أوروبية أخرى».
يضيف التقرير: «المثير للقلق هو أنّ هذه الحروب دامت أكثر من قرن. هناك ما يكفي من المسائل، لا سيما في المشرق، التي تترك الباب أمام معارك مستقبلية مفتوحاً، ما لم يشكّل النازحون داخلياً (واللاجئون) جزءاً لا يتجزأ من عمليات المصالحة والتعويض. والفلسطينيون خير مثال على ذلك».