سبحان الله كيف أصبح القوم مثل النعاج، «يسمعون الكلمة» ويعملون بها حتى ولو نطق بها موفد أجنبي ليس له، ولمعلِّمهِ الذي أوفده، أيُّ حَول أو طَول… وهكذا استجابوا الى دعوته إياهم لانتظار عودته في أواسط شهر أيلول المقبل، معتبرينها استراحة وحسب، بدلاً من أن تكون سانحةً يمكن اغتنامها للتحضير الجدي لمغادرة نفق الشغور الطويل، والانتقال الى ملئه برئيسٍ للجمهورية (أيّاً يكن) قد لا يحمل حلولاً لأزماتنا، ولكنه سيكون، بالضرورة وبالتأكيد، البابَ الذي تدخل منه الحلول. والغريب أن الجميع، وربما الناس العاديون في الطليعة، تأقلموا مع الشغور الرئاسي وما يترتب عليه من أخطبوط فراغٍ يتمدد في المؤسسات والادارات العامة، وهذا في حدّ ذاته يوازي كارثة إضافية تضاف الى ما نعانيه ونعاينه ونعيشه من كوارث وأزمات. أمّا الأشدّ غرابةً من ذلك هو الاستسلام، الشامل، الى تسليم الأمر الى الخارج، والإتكاء على مبادراته ومساعيه، حتى إذا توقفت المبادرات أو المساعي، توجّه تنابل الزمن الرديء الى عطلة غير مستَحَقة بأي حال من الأحوال، وكأنّ الاستحقاق الرئاسي هو في بلد آخر لا يعنيهم من قريب أو بعيد!
فعلاً، أو كأنّ جهداً استثنائياً قد بذلوه فأرهقهم ويحتاجون الى راحة في عطلة طويلة. وهذه حال غير مسبوقة في أي بلد من هذه المعمورة… يا سيدي ما الذي يمنعكم من أن تحولوا الأيام والأسابيع المقبلة الى مجال رحب لورشات عمل، متعددة الجوانب والمشاركين فيها والاتجاهات، ذات مهمة واحدة هي البحث عن رئيس للجمهورية، وليس أي بند آخر.
ولنفرض جدلاً أن جان – إيف لو دريان قرر ألّا يعود في أيلول لسبب أو لآخر، أو أن معلّمه في قصر الإليزيه أوقف مهمته، فهل نعتبر أن انتخاب رئيس الجمهورية لم يعد وارداً؟!
فعلاً إنه أمر لا يصدّق … فبأي منطق يحدث ذلك؟ أوليس أن انتخاب الرئيس يجب أن يكون، بالضرورة، قراراً سيادياً لبنانياً
داخلياً؟
لقد اعتادت الجماعة السياسية، عندنا، منذ بضعة عقود، على أن تعلق مسؤولياتها وواجباتها والتزاماتها على مشجب الغير، وأن نكتفي بطرح النظريات السفسطائية الساقطة، ونلجأ بالفعل الى تنبلة موصوفة، وبالذات أن ننتظر التعليمات من الخارج. ومثل هذه الحال قد تكون مفهومة وإن لم تكن مقبولة. أمّا لماذا هي غير مقبولة؟ فببساطة لأن تلك الحال السياسية قائمة، من أسفً كبير، على القصور والتنبلة والتملص من تحمل المسؤولية…
تكراراً: لماذا عليكم أن تنتظروا عودة لو دريان؟ وأيّاً كان رأينا في المبادرة الفرنسية في منطلقها ومنعطفاتها، وإيمانويل ماكرون مشكور عليها، فإننا لا نفهم (وطبعاً لا نتقبّل) ألّا يبادر القوم الى بذل جهود حقيقية في المسار الطويل نحو الآتي الى قصر بعبدا، ويكتفون بالاستسلام الى التنبلة بانتظار «عودة غودو» الفرنسي؟!.