يسأل مراقبون بعد انطلاق المواجهة الاميركية ـ الايرانية: لماذا لم تُؤلّف الحكومة اللبنانية الجديدة بعد؟ وما الذي يؤخّر ولادتها؟ ومن يدعم الرئيس المكلّف حسان دياب حتى يقول «نعم» هنا و»لا» هناك في ورشة التأليف الحكومي، المتعثرة بين خياري «حكومة الاختصاصيين المستقلين» التي سلّم الجميع بها بداية استجابة لدياب، والحكومة التكنوسياسية، التي عاد كثيرون اليها بعد اغتيال الاميركيين قائد «فيلق القدس» في الحرس الثوري اللواء قاسم سليماني، وردّ ايران عليه بقصف قاعدتين اميركيتين في العراق؟
في معرض استشرافه مستقبل العلاقة بين واشنطن وطهران بعد اغتيال سليماني، يقول مصدر مطلع على الموقف الاميركي، انّ «الاميركيين سيخرجون من العراق، والمسألة باتت مسألة وقت فقط، الامر الذي سيُحتسب ايرانياً على انّه ثأر لسليماني، خصوصاً انّ القيادة الايرانية قالت انّ الثأر لقائد «فيلق القدس» سيكون خروج القوات الاميركية من المنطقة، وانّ خروجها من العراق هو البداية».
لكن هذا المصدر، يقول انّه «بعد الآن سيكون التعاطي بين واشنطن وطهران مباشراً، لأنّ العمل بالوكالة قد انتهى وانّ من يعمل بالوكالة سيخسر في الأصالة، بمعنى انّ الجانبين باتا محكومين بالجلوس الى طاولة مفاوضات مباشرة في وقت ليس ببعيد». ويُعلّق المصدر على قرار الكونغرس، الذي يسيطر عليه الحزب الديموقراطي، بمنع الرئيس الاميركي دونالد ترامب خوض اي حرب ضد ايران أو غيرها من دون موافقته المسبقة، فيقول: «لا يمكن للديموقراطيين ان يدافعوا عن هذا القرار الذي اصدرته اكثريتهم في الكونغرس لأنّ الرئيس الديموقراطي باراك اوباما كان شنّ الحرب على ليبيا من دون موافقة الكونغرس المسبقة».
والى ذلك، يستغرب المصدر كيف أنّ اكبر ثلاث دول صديقة أو حليفة لإيران تلقّت نبأ اغتيال سليماني ببرودة لافتة، وهي روسيا والصين وتركيا، حيث لم يصدر عن اي منها مواقف تدين هذا الاغتيال وتهاجم الولايات المتحدة الاميركية. واكثر من ذلك، انّ الصين، العضو الدائم في مجلس الامن الدولي، لم تبادر الى دعوة المجلس للإنعقاد للنظر في اغتيال سليماني وتداعياته، وهي تستعد لتوقيع عقود بمئات المليارات من الدولارات مع ترامب قريباً. كما انّ روسيا، العضو الدائم في مجلس الامن، لم تبادر أيضاً بالدعوة الى جلسة في شأن اغتيال سليماني، ليظهر رئيسها فلاديمير بوتين في سوريا ملتقياً الرئيس بشار الاسد ومتجولاً في العاصمة السورية، قبل ان ينتقل منها الى تركيا على ان يزور اسرائيل قريباً. ولم يتحدث بوتين في دمشق عن دور سلبي للولايات المتحدة الاميركية. وفي المقابل لم يصدر اي كلام او موقف اميركي سلبي حيال الدور الروسي في المنطقة في ضوء المواجهة الدائرة بين واشنطن وطهران.
وفي هذا السياق، يرى المصدر نفسه، انّه في ظل المواجهة الاميركية ـ الايرانية بدأ يتكشف انّ هناك ربط نزاع روسي ـ اميركي حصل على مستوى المنطقة عموماً وفي لبنان وسوريا خصوصاً، يدل اليه بروز دور لافت لموسكو على الساحة اللبنانية، تبدو واشنطن مسلّمة به وكأنّه بات أمراً واقعاً يُرجح ان يثبُت خلال زيارة سيقوم بها بوتين الى اسرائيل نهاية الشهر الجاري، وهي زيارة، يقول المصدر المطلع على الموقف الاميركي، ربما تتصل بمستقبل الوضع بين لبنان وسوريا من جهة واسرائيل من جهة ثانية.
في وقت يتخوّف الاسرائيليون من ان تؤدي هذه الزيارة الى «زيادة القيود المفروضة على سلاح الجو الإسرائيلي في ما يتعلق بعملياته في سوريا»، فيما تبدو في الأفق مؤشرات الى اتفاق اميركي ـ روسي يعكسه وجود نوع من التفاهم الروسي ـ الاسرائيلي يخلق واقعاً جديداً في المنطقة، بدأ يلقي بظلاله على لبنان ويصبّ في مصلحة سوريا وحلفائها وستكون له انعكاساته على الاستحقاق الحكومي الراهن، وكذلك على غيره من الاستحقاقات المقبلة هذه السنة وفي المستقبل. وعلى حدّ تعبير المصدر نفسه، الذي يعتقد «انّ النفوذ السوري يعود الى لبنان هذه المرة على اجنحة الدور الروسي، الذي يُرجّح انّ الادارة الاميركية سلّمت أو ستسلّم به. وهذا النفوذ السوري سيتظهر من خلال تركيبة الحكومة الجديدة التي سيؤلّفها الرئيس المكلّف حسان دياب، الذي لن يعتذر، بل لا يمكن ان يعتذر، حسب المصدر نفسه، لأنّ داعميه لا يريدون للرئيس سعد الحريري العودة الى السراي الحكومي على رغم من رغبة بعض القوى السياسية بهذه العودة.
ويلاحظ المصدر في هذا السياق، انّ الموقف الاميركي من التطورات اللبنانية يدافع فقط عن رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، ولم يعد يرد في ادبياته السياسية أي شيء عن الحكومة العتيدة، كذلك لم يسجّل منذ مدة ان أحداً تحدث عن «عرقلة اميركية» للاستحقاق الحكومي، ما يوحي انّ واشنطن سحبت يدها من هذا الامر وباتت لا تكلّف نفسها حتى عناء الكلام عنه.
وفي اعتقاد المصدر، انّ «التيار الوطني الحر» و«الثنائي الشيعي» وفّرا لحسان دياب الاصوات التي ضمنت تكليفه تأليف الحكومة الجديدة، ولكنه يُعتبر أضعف شخصية سنّية في لبنان. ولكن النفوذ السوري الذي كان سائداً في لبنان سابقاً قد عاد، وتعكسه مواقف بعض الشخصيات النيابية والسياسية الحليفة لدمشق، في وقت بدأ يتبيّن وجود تفسخات عميقة في معسكر 8 آذار معطوفاً على شرخ عمودي يمكن اعتباره «شرخاً سورياً ـ ايرانياً» حسب تعبير المصدر نفسه.
ويقول المصدر المطلع على الموقف الاميركي، «انّ من يقف خلف دياب ليس «القوات اللبنانية» ولا رئيس الجامعة الاميركية فضلو خوري، ولا اختير من ضمن لائحة اسماء قدّمتها الجامعة الاميركية، وانما اختارته الكتل النيابية والسياسية التي سمّته في الاستشارات النيابية الملزمة، وهي بمجملها حليفة لسوريا. ولكن طالما انّ قوى 8 آذار غير قادرة حتى الآن على التوافق في ما بينها على تأليف الحكومة العتيدة، فكيف لها ان تؤلّفها مع الآخرين، أي فريق 14 آذار وحلفائه؟