لا يستقيم عمل أيّ مؤسسة عامّة في لبنان إلّا بمشاركة مختلف المكوّنات الطائفية والمناطقية فيها، لكن ليس من باب المحاصَصة، بل من بوّابة تحمُّل الجميع مسؤولياتهم الوطنية، ولعلّ أبرز تلك المسؤوليات الدفاع عن الوطن عبر المؤسسة العسكريّة.
الجيش والدولة يناديان المسيحيين، وهم بالتأكيد لن يتأخّروا في تلبية النداء، وكل من يدعو المسيحيين الى التسلّح تحسّباً لوصول «داعش» يدفعهم الى الهلاك، لأنّ الجيش قادر وحده على ضرب الإرهاب، وقد أثبت ذلك في كلّ الاستحقاقات.
وبدلاً من تسليح الشباب المسيحي، لماذا لا ينتسبون الى الجيش، لكي يضمنوا حياتهم وحياة أولادهم ومستقبل وطنهم، لأنّ الأمن الذاتي سيتحوّل ميليشيات تضرب ما تبقّى من وجود مسيحي لا يستطيع العيش في عصور الجاهلية والفوضى.
تُدرك قيادة الجيش جيّداً أهمّية التركيبة الوطنية والتنوّع داخل البيئة اللبنانية، وهي تدعو مختلف المكوّنات الى التطوّع في الدفاع الوطني عبر المؤسسة العسكرية الشرعية، وتعمل جاهدةً من أجل الحفاظ على التوازن، لكي لا يشعر أيّ مكوّن بأنّه مستبعَد عن الحضور والقرار.
تعترف قيادة الجيش بأنّها تواجه أزمة حقيقية في عدم إقبال المسيحيين عموماً، والموارنة خصوصاً، على التطوّع في الجيش، وتعزو ذلك الى عوامل عدّة أثّرت على النفسية المارونية وتركت انعكاساتها على بقيّة المذاهب المسيحيّة الأخرى.
ويشرح مصدر عسكري لـ»الجمهوريّة» أسباب هذ الانكفاء، حيث يشير إلى أنّ «نفسيّة المسيحيين غير مرتاحة، فقد عانوا ما عانوه، ودفعوا ثمناً باهظاً أثناء الحرب الأهليّة، حيث قدّم كلّ بيت مسيحي شهيداً أو جريحاً في الجيش على الأقلّ. فقد قاتلَ الجيش الفلسطينيّين، من ثمّ خاضَ معارك عدّة في الداخل وضدّ السوري، وكانت الفاتورة الأكبر في حربَي التحرير والإلغاء، ومن هنا بدأ الانكفاء».
ويضيف المصدر: «لجأ المسيحي بعد عام 1990 إلى الهجرة الدائمة في اتّجاه أوستراليا وأميركا وكندا، ولم يعُد يُقبِل إلى وظائف الدولة. كما أنّ تركيز المسيحيين على العلم، دفعَ بهم للهجرة إلى دول الخليج وإفريقيا، لأنّ الشاب المسيحي الذي يدفع نحو 10 ملايين ليرة سنوياً على جامعته الخاصة، يطمح لتأمين مردود مادي سريع، علماً أنّ انخفاض عدد الولادات عند المسيحيين يدفع الأهل أيضاً إلى نصح أولادهم بعدم المخاطرة في الدخول الى الجيش».
وفي هذا الإطار، تعمل قيادة الجيش على معالجة هذه الأزمة، إذ يكشف المصدر العسكري، أنّ «الجيش يحتاج الى تطويع عناصر، وهو يقدّم التسهيلات الضرورية إلى المسيحيين من خلال إراحتهم في الخدمة، ومعالجة أيّ سوء فهم، ومعاملتهم معاملة حسنة كما جميع أفراد الجيش، مع العِلم أنَّ التوازن موجود على مستوى الضبّاط والعمَداء، لكنّه مفقود في العناصر».
وعليه، تحاول قيادة الجيش جاهدةً «حضَّ المسيحيين على الدخول والتطوّع، لكنّها تعرف أنّ المسؤولية الأولى تقع على الشعب الماروني والمسيحي، من ثمّ على البطريركية المارونية والرهبانية المارونية، والأحزاب المسيحية. فهذا العمل يحتاج الى تغيير جذري في العقلية المسيحية، علماً أنّ التقديمات التي يعطيها الجيش تفوق بقية الوظائف الأخرى».
ومن هذا المنطلق، لم يتأخّر الموارنة والمسيحيون يوماً في الدفاع عن الوطن، لكنّ الانكفاء قد يحدث في بعض المراحل، وهم الآن أبعد ما يكون عن منطق الأمن الذاتي والعودة الى التسلّح، لأنّهم يقولون في كلّ خطاباتهم وأدبياتهم بوجوب دعم الدولة والجيش كسلطة شرعية وحيدة تحفظ سيادة واستقلال لبنان وحدوده.
لذلك، يرى المصدر أنّ «المسيحيبن الذين يهاجرون الى الغرب بسبب فقدان الأمان والاستقرار، الذي لا يوفّره إلّا الجيش والقوى الشرعية الحامية الوحيدة للبنان، ليس لديهم خيار سوى دعم الجيش والدولة قولاً وفعلاً، ومن خلال الانتساب الى المؤسسة العسكرية، لأننا جميعاً متساوون في الحقوق والواجبات، والجيش يرفع شعار «من كلّ لبنان ولكلّ لبنان»، والشهداء يسقطون من مختلف الطوائف والمناطق.
لذلك، تُعتبر اللحظة مؤاتية لعودة المسيحيين إلى الدولة، والفرصة سانحة، إذ إنّ منطق الاضطهاد ليس موجوداً، ولم يعُد هناك أيّ حجّة للموارنة والمسيحيين لعدم العودة الى المؤسسة التي انطبعَت في مرحلة من المراحل على إسمهم».