في سياق استعادة «حقوق المسيحيين»، واختزاله للتمثيل المسيحي في لبنان، طرح الوزير جبران باسيل قضيّة «المُبعدين اللبنانيين إلى إسرائيل»، خلال زيارته الأخيرة إلى جنوب لبنان، وأعلن أنّ قضية هؤلاء يجب أنْ تنتهي، مشيراً إلى «حقهم بالعودة إلى وطنهم، وأنّ وزير العدل ألبرت سرحان سيتقدّم بمشروع مرسوم لوضع آلية تطبيق للقانون، الذي يساعد على عودة المُبعدين وعلى بدء مسيرة العودة».
عدد اللبنانيين الذين غادروا جنوب لبنان إلى «إسرائيل» عام 2000، كان يُقدّر بنحو 8 آلاف شخص، أما اليوم فلا يزيد عددهم على 3400 شخص، بعدما هاجر معظمهم إلى دول غربية. وقد يكون لقضية هؤلاء بُعدٌ إنساني ما، لكنّها دون شكّ قضية شائكة تلامس حساسية مذهبية، وتستنفر انقسامات في الآراء، وخلافات في مقاربتها من قِبل الأطراف اللبنانيين، بين مَنْ يؤكد أنّهم عملاء، وبين مَن يعتبرهم فارّين أو مُبعدين قسراً.
قضية المُبعدين كانت على الدوام موضع اهتمام من قِبل الفرقاء اللبنانيين المسيحيين، خصوصاً أنّ نحو 90 في المئة منهم، هم من مسيحيي الجنوب، وهؤلاء قد أمضوا نحو 20 عاماً في كنف الكيان الصهيوني المحتلّ، وفي رعاية مؤسّساته، وقد أصبحوا ضمن نسيجه الاجتماعي والاقتصادي.
السؤال المطروح: هل حقاً يريدون العودة إلى لبنان؟ ثم إنّجيلاً جديداً اندمج تماماً في المجتمع الإسرائيلي، وحصل على الجنسية الإسرائيلية، وبعضهم يخدم في الجيش، فهل سيترك هؤلاء حياتهم ليعودوا الى لبنان؟
هذه المعطيات تدفع إلى السؤال عن حقيقة مبادرة »التيار» إلى فتح هذا الملف، خصوصاً أنّ «المُبعدين» لا يمثّلون ثقلاً عددياً، وأوضاعهم ملتبسة بين أجيالٍ المغادرين الأولى، ممَّنْ لم يريدوا العودة الى لبنان في المراحل الأولى لمغادرتهم، وبين أجيال نشأت في «إسرائيل» وقد لا ترغب في العودة. المرجح أن هذه المطالبة هي من أدوات ترسيخ الحضور «الباسيلي» في الوجدان المسيحي اللبناني كي تضعهُ في رأس هرم القيادة المسيحية وفي مقدّمة السباق الرئاسي!
وهنا تجدر الإشارةإلى أنّ مجلس النواب كان قد أقرّ عام 2011، مشروع قانون تقدّم به «التيار» لمعالجة أوضاع اللبنانيين في «إسرائيل»، ويسمح هذا القانون للأفراد الذين لم ينضووا عسكرياً وأمنياً في «ميليشيا جيش لبنان الجنوبي»، وعائلاتهم من زوجات (أو أزواج) وأولاد، أنْ يعودوا إلى لبنان من دون الخضوع للتحقيق. أما مَنْ شاركوا في «ميليشيا جيش لبنان الجنوبي»، فسيتم التحقيق معهم، ويخضعون للمحاكمة العادلة، لكن لم يُعمل على وضع مراسيم تطبيقية للقانون، وهو ما أشار إليه الوزير باسيل، وما سيطرحه وزير العدل.
كما أنّ هناك توجّهاً لدى «التيار» لإدراج الموضوع ضمن «سلّة العفو العام» الشاملة، التي قد تُبحث قريباً، وتشمل «الموقوفين الإسلاميين» وتجّار المخدّرات والمهرّبين، علماً بأنّ حزب «الكتائب» كان قد تقدّم عام 2012 باقتراح قانون عفو عن اللبنانيين المتواجدين في «إسرائيل»، لكنّه لم يُطرح فيأي جلسة تشريعية برلمانية.
إنّ فتح ملف عودة اللبنانيين الموجودين داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة في هذا التوقيت الحرج، هو بمثابة وضع لغم جديد يُساهم في تأجيج وتفجير الصراع المذهبي على الساحة الوطنية، خصوصاً أنّ هناك شريحة لبنانيّة واسعة ترفض عودة هؤلاء الذين يصفونهم بـ»العملاء»، تحت أيّ تسمية، وأي ذريعة كانت. في المقابل، هناك مَنْ يطالب بحق هؤلاء بالعودة، باعتبار أنّ هروبهم إلى «إسرائيل» جاء نتيجة أوضاع محدّدة عاشوها وتهديدات تلقّوها في تلك الفترة.
ما بين الرأي والرأي المعاكس، لا ينقص الوضع اللبناني الهشّ أساساً، غير شرارة خرقاء رعناء من هذا النوع، كي يشعل فتيل فتنة جديدة قد لا ينجو لبنان منها!