لعلّ أخطر ما واجهه لبنان طوال العام الحالي الذي يُودّعنا منتصف ليل غد الأحد، على الصعيد الداخلي والإقليمي هو إرهاب تنظيم «داعش» و«جبهة النصرة» وسواهما من جهة، والنزوح السوري الكثيف الذي بدأ مع بدء الأزمة السورية في العام 2011. وإذ استطاع بفضل قوة وعزم جيشه والقوى الأمنية مكافحة الإرهاب والقضاء على عناصره أو دحرهم من حدوده البقاعية والشمالية محقّقاً بذلك إنجازاً كبيراً أعاد الأمن والإستقرار الى البلاد، فإنّ أزمة النازحين السوريين سوف يجرّها معه العام 2017 الى العام الجديد 2018.
وصحيح بأنّ عدد النازحين السوريين المسجّلين لدى المنظمة الدولية التابعة للأمم المتحدة قد تقلّص، على ما أعلنت المتحدّثة باسم المفوضية العليا لشؤون اللاجئين في لبنان ليزا أبو خالد، وتراجع الى 997.905 ألف حتى نهاية تشرين الثاني الماضي ووصل الى أدنى مستوياته منذ العام 2014، إلاّ أنّ هذا العدد، على ما أكّدت أوساط ديبلوماسية عارفة، لا يُمثّل النازحين السوريين كافة المقيمين على الأراضي اللبنانية، ولا يُلغي بعض الإحصاءات التي تشير الى أنّ النازحين السوريين يُشكّلون ربع سكّان لبنان. فثمّة عدد كبير منهم يعيش في المناطق كافة بين السكّان اللبنانيين، ويُمارس مهن عدّة فهناك ناطور البناية، أو الكوافير، أو صاحب محلّ المعجنات أو الأجهزة الخليوية، أو العامل في مطعم أو مقهى أو نادٍ ليلي أو محلات بيع الألبسة وغير ذلك. وهؤلاء نازحون لكنّهم يعملون ولا يطلبون المساعدات المالية من المفوضية، ولهذا لا تحتسبهم على أنّهم نازحون، ويفوق عددهم مئات الآلاف. كما أنّ الدولة اللبنانية لا تمنعهم من ممارسة هذه الأعمال، علماً أنّ القانون لا يسمح لهم سوى العمل في مجالين فقط هما البناء والزراعة.
كما أنّ تقلّص عدد النازحين الى أقلّ من مليون، لا يعود الى اختيار 300 ألف نازح أو أكثر من الذين كانوا مسجّلين لدى المفوضية «العودة الى بلادهم»، على ما أوضحت الاوساط، بل يعود السبب الرئيس، إلى برامج إعادة التوطين، التي تبنّاها المجتمع الدولي من خلال إعادة توطين «المحتاجين» منهم في لبنان والأردن وتركيا، في الدول الأوروبية. وقد قدّرت الأمم المتحدة عدد النازحين السوريين الذين غادروا لبنان ضمن برامج إعادة التوطين بـ 49 ألف لاجئ سوري، معظمهم سافروا إلى الولايات المتحدة والسويد وفرنسا.
فيما عاد عدد آخر لا يتجاوز عشرات العائلات الى بعض المناطق الآمنة في سوريا، في آب الماضي، لا سيما مع استعادة السيطرة على القلمون الغربي من قبل النظام السوري بدعم من عناصر «حزب الله». وثمّة عدد من النازحين السوريين توفي في لبنان لأسباب مختلفة، ما جعل عددهم يتقلّص. غير أنّ عدد المليون إلاّ ألفي و95 نازحاً يبقى كبيراً، بحسب رأيها، مقارنة مع صغر حجم لبنان وعدد سكّانه، ويبقى وجود هؤلاء النازحين في البلد يُشكّل مشكلة إقتصادية وأمنية وإجتماعية ومعيشية واستشفائية تقع على عاتق الدولة اللبنانية وعبئاً مالياً إضافياً عليها لا يُمكنها حلّه سوى بإعادتهم الى بلادهم.
من هنا، فإنّ ملف النازحين سيوضع بقوة على جدول أعمال مجلس الوزراء في العام الجديد، على ما كشفت، لحلّ معضلة العودة داخلياً. كما سيُطرح في المحافل الدولية لتخفيف عبئه عن لبنان رغم إصرار المجتمع الدولي على «العودة الطوعية» للنازحين، وبمعنى أوضح، ترك الخيار لمزاج النازحين فيما يتعلّق بشأن عودتهم الى مناطقهم في سوريا. فالدولة اللبنانية ستُطالب الأسرة الدولية بمساعدتها من أجل إعادة النازحين قسراً أي الطلب منهم مغادرة البلاد سيما وأنّ وقف إطلاق النار سارٍ في سوريا والحياة الطبيعية قد عادت الى غالبية المحافظات فيها والتي تفوق مساحتها مساحة لبنان بأضعاف الأضعاف، وكون الدعم المقدّم للنازحين السوريين بالتالي في لبنان من قبل المفوضية «شحيح»، على ما أعلنت أخيراً.
وبرأي الأوساط، أنّ العودة ستتمّ تدريجاً، والدليل بدء عودة بعض العائلات النازحة الى قراها وإعلانها عن فرحتها بملاقاة الأقارب وباتخاذها قرار البقاء الى جانبهم. وتقول بأنّ ثمّة عائلات أخرى ستعود دون أن تنتظر أي مساعدات دولية سيما إذا كانت ظروفها وأوضاع مناطقها ومنازلها تسمح بذلك. كما أنّ الأشغال لإعادة إعمار سوريا ستحتاج لأيدي عاملة كثيرة، وسيلبّي العدد الأكبر من العمّال السوريين هذا النداء بالبقاء في بلادهم بهدف إعمارها من جديد. وبحسب المعلومات، فإنّ عدداً لا بأس به من المستأجرين السوريين، المتوسطي الحال، قد بدأ بترك المنازل والمغادرة، إمّا الى سوريا أو الى بلد ثالث بعد حصوله على تأشيرة الدخول. وتقول إنّه في حال قرّرت الدولة اللبنانية الطلب من النازحين السوريين مغادرة البلاد إذا ما أمكنهم ذلك، فإنّ عدد المغادرين سوف يكبر تدريجاً. كما أنّ الأمر يتوقّف أيضاً على طريقة تعامل المجتمع الدولي مع ملف النازحين السوريين في دول الجوار ككلّ.
أمّا مسألة «حقّ عودة اللاجئين الفلسطينيين الى ديارهم»، فسيتمّ فصلها عن ملف عودة السوريين، على ما أكّدت الاوساط، رغم ورودهما معاً في بيان القسم وفي البيان الوزاري للحكومة، لا سيما بعد قنبلة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بإعلان القدس عاصمة لإسرائيل ونقل سفارة بلاده من تلّ أبيب اليها التي فجّرها في أواخر العام 2017، ولم يستطع المجتمع الدولي وقف تداعياتها. علماً أنّه استأجر فندقاً في القدس لإقامة سفارة بلاده فيه، وتستلزم التجهيزات اللوجيستية لنقل السفارة، كما قرّر ترامب ولم يردعه أحد، نحو عامين أي أنّ سفارة بلاده تُصبح قائمة فعلياً في القدس بين عامي 2019 و2020 على أبعد تقدير. ومن هنا، فإنّ حقّ عودة الفلسطينيين الى ديارهم وتطبيق القرارات الدولية ذات الصلة اللذين تضرب بهما إسرائيل عرض الحائط، مدعومة من الولايات المتحدة الأميركية، يجعلان موضوع إنهاء «الإقامة المؤقتة» للاجئين الفلسطينين في لبنان وتحقيق عودتهم الى ديارهم ينام في الأدراج اللبنانية والعربية والدولية لسنوات لاحقة بعد.
فعودة الفلسطينيين الى ديارهم مرتبطة، على ما ذكرت الاوساط، بإنهاء الصراع العربي- الإسرائيلي وعودة السلام الشامل للمنطقة، وهو أمر يتعقّد أكثر فأكثر مع الأيام والأشهر والسنوات، فيما عودة السوريين الى بلادهم مفتوحة أمامهم، والطريق سالكة أمام كلّ الراغبين بالعودة، ولا تعرقلها سوى تدخّلات الدول الخارجية كونها تخشى أن تعوّم عودتهم هذه النظام الحالي فيبقى مسيطراً لعهود لاحقة بعد.
وثمّة ملفات داخلية عدّة ستعمل الحكومة الحالية على حلّها في العام المقبل، وقبل موعد إجراء الإنتخابات النيابية مثل ملف النفايات والكهرباء وسواهما، وكلّ ما يؤمّن العيش الكريم للمواطنين اللبنانيين.