Site icon IMLebanon

الوحي

بعد أن فشلت كل المحاولات في إقناع النائب ميشال عون بالإنسحاب لمصلحة مرشح ثالث يملأ الشغور المستمر في رئاسة الجمهورية منذ ما يقارب العشرة أشهر ويتم الإتفاق عليه بين القيادات المسيحية كافة، عادت الأنظار تتجه الى بكركي وإلى سيّدها العائد من الفاتيكان ومعه دعوات الحبر الأعظم لاتفاق المسيحيين على انتخاب رئيس للبلاد حتى لا تبقى الدولة بلا رأس مسيحي وحيد في الشرق الأوسط ذي الأكثرية الإسلامية، فهل ينجح البطريرك الراعي في إقناع رئيس تكتل الاصلاح والتغيير بأن حظوظه في الوصول الى قصر بعبدا باتت شبه معدومة بسبب معارضة أكثر من نصف المسيحيين والمسلمين والعرب له إضافة إلى عدم حماس الغرب والولايات المتحدة خصوصاً بسبب ارتباطه الكلّي بالسياسة الإيرانية وأهدافها من خلال ارتباطه بحزب الله التابع لولاية الفقيه والذي لم ينفِ يوماً هذه التبعية بل يجاهر بالإنتماء إليها والعمل بموجب إرشاداتها وتوجيهاتها، علماً بأن سيّد بكركي سبق أن جمع القيادات المارونية الأربعة تحت عباءة بكركي وبذل جهداً حثيثاً لإقناعها بالإتفاق على تسمية رئيس للجمهورية لا ينتمي الى أي من فريقي14 و8 آذار ويتحلّى بالصفات القيادية والوطنية المفروض أن يتمتع بها أي رئيس للجمهورية، قبل أن يفلت الأمر من أيدي المسيحيين وتتولّى القيادات الإسلامية مهمة ملء الفراغ في رئاسة الجمهورية أو أن تبقى الدولة بلا رأس ويحلّ مكانه مجلس رئاسي كما هو الحال الراهن مع حكومة تمام سلام المسماة حكومة المصلحة الوطنية والتي جاءت بعد تسوية بين تيار المستقبل وحزب الله لم يكن للقيادات المسيحية رأي فيها.

الواقع أن لا شيء تبدّل منذ أن فقد البطريرك بشارة الراعي الأمل في إتفاق القيادات المارونية، فالنائب ميشال عون لا يزال يطرح نفسه رئيساً وحيداً للجمهورية ويرفض البحث بأي شخص غيره، والدكتور سمير جعجع الذي رشحته قوى 14 آذار لهذا الموقع لا قَبِل بعون رئيساً لأن فريقه لا يقبل به، ويدعوه إلى التلاقي للإتفاق على شخص ثالث لا يكون من 14 آذار ولا من 8 آذار، لكن رئيس تيار الاصلاح والتغيير ومعه حزب الله داعماً بقوة لا يرضى بهذا العرض حتى أنه ليس مستعداً للبحث به، وهذا ما أدى إلى أن يستمر الشغور في رئاسة الجمهورية قرابة العشرة أشهر ومرشح لأن يستمر مدة أطول بكثير إذا لم يتفاهم المسيحيون على رئيس ثالث يملأ هذا الشغور، وهو الأمر المتوقع إلا إذا تغيّرت الظروف الإقليمية والدولية ونزل الوحي على رئيس تكتل الاصلاح والتغيير وقَبِل بالتنازل عن رئاسة الجمهورية وهذا يبدو حتى الآن من المستحيلات بعدما جدد حزب الله تمسكه به والرهان على إيصاله الى بعبدا متوجاً بالرئاسة الأولى التي تشكل لعون عقدة منذ أن احتل قصر بعبدا عام 1990 ورفض الخروج منه إلا هرباً من الطائرات السورية التي دكت القصر الجمهوري في بعبدا بقذائفها السوفياتية الصنع، ومع ذلك يبقى هناك أمل ضعيف في أن ينجح البطريرك الراعي هذه المرة لأنه مدعوم من الفاتيكان التي لها اتصالات دولية واسعة وعميقة يمكن أن تسخّرها من أجل حمل القيادات المسيحية على إنقاذ المسيحيين في هذا الشرق من خلال إنقاذ الجمهورية الوحيدة ذات الطابع المسيحي في هذا البحر الإسلامي.