لن ينتظر تيار المستقبل هجوم الوزير السابق أشرف ريفي عليه في بيروت والبقاع وصيدا، بل قرر الهجوم في طرابلس، التي تعني الكثير لجميع الطامحين إلى حمل لقب «زعيم سنّي». بداية الهجوم من «القبة»
لم يكن اختيار الأمين العام لتيار المستقبل، أحمد الحريري، محلة القبة في طرابلس لإقامة مهرجان شعبي لاستقباله نهاية الأسبوع الماضي، نابعاً من فراغ. إذ أعادت زيارته الروح قليلاً إلى التيار الأزرق في المدينة، وجعلت قياداته ومناصريه يتنفسون الصعداء، ولو آنياً.
الارتياح المستقبلي يعود إلى الحشد الشعبي، بمعزل عن حجمه، الذي تجمّع لاستقبال الحريري، بعد نكسات تعرض لها التيار الأزرق، كان أبرزها الاستقبال الخجول الذي كان في انتظار «زعيم» التيار الرئيس سعد الحريري، في آخر زيارتين له للمدينة.
فالقبة التي تعتبر ثالث أكبر تجمّع سكاني في عاصمة الشمال، بعد باب التبانة والحدادين (المعروفة بأبي سمراء)، بعدد سكان يقارب 35 ألف نسمة، تعدّ واحدة من المناطق التي يغلب عليها الطابع الشعبي، وتسودها فوضى وعشوائيات نتيجة إهمال بلدية طرابلس لها، وأغلب سكانها من الفقراء ومتوسطي الحال الذين يستقطبهم السياسيون في حملاتهم الانتخابية البلدية أو النيابية، فترتفع فوق بيوتهم البائسة والمعدمة صور سياسيين بكامل أناقتهم.
والقبة شكلت منذ عقود مقصداً لسكان الأقضية الشمالية الريفية المجاورة، للسكن أو العمل، وبات أغلب سكانها اليوم من مناطق عكار والضنية والمنية.
وبرغم أن شعبية التيار الأزرق في طرابلس تراجعت أخيراً على نحو واضح، وخصوصاً في باب التبانة التي كان تيار المستقبل ينظر إليها على أنها خزانه الشعبي الأكبر، بعد تمدد نفوذ الرئيس نجيب ميقاتي والوزير السابق أشرف ريفي إليها، حافظت القبة على شعبية لافتة لتيار المستقبل، وإن غير طاغية مقابل وجود نفوذ آخرين مثل ميقاتي وريفي والوزير السابق فيصل كرامي والحزب العربي الديموقراطي والجماعة الإسلامية وجمعية المشاريع الخيرية الإسلامية وسواهم.
الحريري قرّر مواجهة ريفي في مناطق نفوذه الرئيسية
لكن تيار المستقبل استفاد من عوامل عدة لبقائه فاعلاً في القبة، أبرزها تحول مناصرين من قوى سياسية أخرى إليه بعد استمالتهم مالياً، ووجود كثافة سكانية تعود أصولها الى عكار والضنية والمنية، حيث لا يزال «العصب» المستقبلي قائماً، فضلاً عن عودة التيار الأزرق إلى السلطة، الأمر الذي وجده أهالي المنطقة مدخلاً لتأمين بعض الخدمات الملحة.
طرابلس تعني الكثير لتيار المستقبل. فزعامة الحريري الطائفية والسياسية مهددة بقيادات سياسية طرابلسية تحديداً، على رأسها ميقاتي وريفي. ويبدو الأخير الأكثر إقلاقاً لراحة قيادات التيار الأزرق، لأنه يصوب سهام نقده دائماً باتجاه الحريري وتياره. وأعلن الوزير السابق للعدل أنه سيخوض الانتخابات النيابية بمواجهة «المستقبل» في كل المناطق، بما فيها العاصمة بيروت، ما فرض على الحريري مواجهة ريفي في طرابلس أولاً، وفي مناطقها الشعبية ــ ومنها القبة ــ التي تمثل قاعدة ريفي الرئيسية في المدينة، قبل أن يدهمه خطره في مناطق نفوذ تيار المستقبل في بقية المناطق.
غير أن تثبيت تيار المستقبل حضوره في القبة لم يمر بلا تداعيات. فهذه المنطقة المتنوعة طائفياً ومذهبياً، حيث يشكل السنّة ثلثي سكانها وناخبيها، ويشكل العلويون والمسيحيون (الموارنة والأرثوذكس) الثلث الآخر، وهم نزحوا بأغلبهم منها خلال سنوات الحرب تباعاً، شهدت في الأشهر الأخيرة إشكالات عدة بين مناصري القوى السياسية على خلفية تعليق صور سياسيين، وخصوصاً بين مناصري المستقبل وريفي. وهذه الإشكالات تكررت في الساعات الـ 48 التي سبقت زيارة الحريري لها، لكن تدخل الجيش والقوى والأمنية بسرعة حال دون تفاقمها، وجعل قطوع المهرجان الشعبي للتيار الأزرق في القبة يمرّ على خير.
في ذلك المهرجان، قال الأمين العام لتيار المستقبل: «لم نأت إلى القبة لنتحدى أحداً»، من دون أن يحدد من كان يقصد بكلامه. وقال مصدر في «المستقبل» لـ«الأخبار» إن «الزيارة تهدف إلى التواصل مع مناصري التيار في كل المناطق، ولندعو فيها الآخرين إلى التنافس من أجل تأمين خدمات الناس ومصالحهم».
ورداً على سؤال أين كانت مصالح الناس وخدماتهم في القبة في السنوات الماضية، ولماذا تذكّرها تيار المستقبل اليوم، برر المصدر ذلك «بجولات العنف الـ 22 التي شهدتها المناطق المحيطة بمنطقة جبل محسن، والقبة منها، طوال أربع سنوات».
ومع أن المصادر الزرقاء أوحت بأن زيارة الحريري للقبة «طبيعية وليست طارئة وغير مرتبطة بالانتخابات النيابية المقبلة»، فإنها أكدت بالمقابل أن القبة «عبرت خلال الزيارة عن هويتها السياسية، وهي زيارة ناجحة بكل المعايير، سياسياً وشعبياً».