IMLebanon

إنفصام السلطة… ورهن الحلول

 

تحدث مدير دائرة الشرق الأوسط في الخارجية الفرنسية كريستوف فارنو عن “العولمة الاجتماعية” في معرض إشارته إلى أن الانتفاضة اللبنانية جاءت في مناخ من الاحتجاجات في عدد من دول العالم، من شيلي وبوليفيا، إلى هونغ كونغ ودول أفريقية، انتهاءً بما يجري في دول المنطقة ولا سيما العراق ولبنان، معرجاً على حركة “السترات الصفر” في فرنسا أيضاً. لكنه لم يشأ أن يتعمق في المناخ الإقليمي الذي تحصل في كنفه الثورات الاجتماعية في الشرق الأوسط، ربما لتجنب ربط الأمور بالوضع السياسي الذي يسودها. فهو يفضل فك الارتباط بين أزمة لبنان والتعقيدات الإقليمية، كي يتمكن اللبنانيون من حسم خياراتهم بأنفسهم، كما ردد أكثر من مرة خلال لقائه الصحافي أمس. فلكل من الدول التي تحصل فيها التظاهرات الشعبية حلول مختلفة عن تلك التي تُعتمد في غيرها.

 

الثائرون ضد السلطات الحاكمة لا ينسقون مع بعضهم البعض بفعل البعد الجغرافي واختلاف ظروف الانتفاضة في كل دولة، لكن لا شك في أن المحتجين في كل دولة يستلهمون أفكار الحراك في أخرى. بل إن الشباب الخلاق بأفكاره حول أشكال هذا الحراك، يستمد قوة من نظيره، لا سيما عندما يحقق نتائج متدرجة، في التغيير. يشجع الحراك هنا نظيره هناك، وإنضاج مطالبه ووسائل تحقيقها، والعكس صحيح. وتساعد وسائل التواصل الاجتماعي والفضائيات في نقل الأفكار والابتكارات، الإبقاء على حماس الجماهير، من دون الاتصال المباشر بين القادة في هذا البلد أو ذاك. العامل الجامع بين الحراكات الشعبية هو الشعور بالذل والقهر من الطاقم الحاكم، والبطالة عند الشباب، جراء ممارسات سلطوية تتقاسم المغانم وسرقة المال العام، وقمع الحريات نتيجة تحكّم أوليغارشية أنتجتها معادلة خارجية، استفادت من انقسامات طائفية أو مناطقية أو عرقية أو فئوية، كما هي حال العراق ولبنان. وفي دول أخرى يبدو المحرك الأساسي إهمال التركيبة الحاكمة صعود شرائح اجتماعية أخذت تتشكل منها ريادة حديثة مغيّبة عن مركز القرار، على رغم أنها تتقدم بكفاءتها على الحكام.

 

تلاقح الثورات أطلق في سوريا تظاهرات ما زالت محدودة تهتف “كلن يعني كلن”، تشمل بشار الأسد وأعوانه وأركاناً في المعارضة.

 

ومقابل الانفصام بين السلطة وبين أنين الناس في لبنان يبدو صعباً الفصل بين قيام حكومة ولو انتقالية لزهاء سنة، لمعالجة الوضع المالي، وبين الوضع الإقليمي.

 

تجنب السيد حسن نصرالله قبل أيام، بمداخلة شملت إشادته بدور الحوثيين في اليمن في مواجهة إسرائيل انطلاقاً من البحر الأحمر، تناوُل تأليف الحكومة، وسط الإجماع على أن ولادتها تعيد الثقة لإطلاق حلول تحول دون الانهيار اللبناني. ذهب إلى حد فك الارتباط بين محاربة الفساد وقيام الحكومة.

 

فهو يرهن الحكومة للمشهد الإقليمي، متجاوزاً أسباب المأزق الاقتصادي الذي أطلق الحراك الشعبي غير المسبوق. والحلول التي يعتمدها لمواجهة قلة السيولة عنده غير قابلة للتطبيق على سائر اللبنانيين. فالروايات في القرى الجنوبية تتحدث عن صرف رواتب محازبيه عن الشهر الماضي بالدولار الأميركي بأوراق نقدية كانت “تطقطق” كونها جديدة، بدلاً من الليرة اللبنانية. أما سائر اللبنانيين، وبالتالي الحكومة، فلهم التجارة والاستثمارات مع سوريا والعراق وروسيا والصين… ويسقط بذلك موجبات المواجهة التي يتنكب لها خارج لبنان، على اللبنانيين مرة جديدة.

 

لا يمكن تفسير التأخير في استشارات تكليف رئيس الحكومة من قبل الرئيس ميشال عون، الذي برّأ “الحزب” من التدخل في الحكم، إلا بأنه مراعاة لرغبة الحليف بحكومة بشروطه، تضمن حضوره في السلطة للدفاع عن دوره الخارجي. وإذا بقي على شروطه فإن ولادة الحكومة ليست قريبة كما بشر بذلك الرئيس عون. كذلك عودة الثوار إلى بيوتهم.