Site icon IMLebanon

حكومة الثورة وحكومة العهد

 

تجربة الرئيس لحود مثلاً

 

بحبّكن كلّكن

قبل أن يتمسّك رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بعدم وجود مهلة محددة في الدستور لإجراء استشارات نيابية ملزمة لتسمية الرئيس الذي سيكلّف تشكيل الحكومة تمسك بحقه الدستوري في الموافقة على التشكيلة الوزارية التي يقدمها إليه الرئيس المكلف. حصل ذلك مع الرئيس سعد الحريري في حكومة العهد الأولى في كانون الأول 2016 ثم في الحكومة الثانية بعد الإنتخابات النيابية التي كلف تشكيلها الحريري نفسه وذلك عندما وضع عون شروطاً ومواصفات للوزراء والحقائب. هذه المرة وتحت ضغط الشارع وبعد استقالة الحريري يحاول عون أن يؤلف الحكومة قبل الإستشارات وأن يلتف على الإنتفاضة الشعبية المطالبة بحكومة إنقاذ موثوقة تضم اختصاصيين “تكنوقراط” يمكنها أن تنقذ العهد مما يتخبط فيه وأن تنقذ الدولة من الإنهيار وتستعيد ثقة الناس والمجتمع الدولي. يريد الرئيس أن يشتري الوقت من أجل إسقاط هذا الخيار.

 

إذا كانت هذه هي الطريق التي يريدها رئيس الجمهورية من أجل الخروج من المأزق الذي دخل فيه مع التيار الوطني الحر وحزب الله فهي قد تؤدي إلى مزيد من الخسائر التي قد تصيب الدولة والعهد ومن يعتبرون أنهم من حلفائه في الوقت الذي كان يجب فيه أن يكون حليف “الثورة” التي رفعت مطالب الإصلاح الحقيقية واعتبر أنها تنادي بما نادى به ولم يستطع أن يحققه. لا يكفي أن يقول الرئيس للجمهور الذي خاطبه يوم الأحد من القصر الجمهوري في بعبدا “بحبكم كلكن”. كان من الأفضل ألا يكتفي بهذا الكلام الموجه في مناسبة التظاهرة المؤيدة له بل أن يعممه ليكون موجهاً إلى كل الحركة الإعتراضية وأن يكون فعلاً “بي الكل” لا بيّ التيار الوطني الحر وحده. كان يمكن أن يخاطب صهره النائب شامل روكز كما يخاطب صهره جبران باسيل.

 

التعديل الساقط

 

كانت المعلومات ذكرت أن الرئيس عون يميل إلى السير بتعديل حكومي اقترحه الرئيس سعد الحريري قبل استقالته بحيث يتم إبعاد باسيل وعدد من الوزراء عن الحكومة بعد استقالة وزراء القوات اللبنانية منها ولكن اعتراض باسيل بدّل رأيه وأخذه إلى الربط بين وجوده في الحكم مع الحريري أو خروجهما معاً، مع أن المعادلة لا تصح في هذا المجال.

 

حتى عندما وافق الرئيس عون على التشكيلة الحكومية التي اقترحها عليه الرئيس سعد الحريري أوقف اعتراض “حزب الله” عليها عملية إصدار المراسيم عندما اشترط تمثيل ما سمي “نواب اللقاء التشاوري”. لم يثر عون وترك الأمور تتجه نحو تلبية ما طلبه الأمين العام لـ”الحزب” السيد حسن نصرالله.

 

الحريري ـ باسيل : هل تصمد مفاعيل التسوية؟

 

في ظل هذا الوضع وإذا كان الرئيس سعد الحريري سيخضع لعملية ابتزازه لناحية الإتفاق على تأليف الحكومة قبل التكليف فماذا يبقى له من صلاحيات وماذا يبقى من الدستور؟ لقد سار في ظل الحكومتين السابقتين تحت سقف التسوية الرئاسية بالرضى والقبول بالتنازل عن الكثير من السقوف والمواقف ولم يكن يتوقع أن تصل الأمور إلى الحد الذي يجد نفسه فيه مضطرا لتقديم استقالة حكومته تحت ضغط الشارع متخطيا الضغط المعاكس الذي مارسه عليه “حزب الله” والعهد. في الواقع لم تكن التسوية الرئاسية توجب عليه الإنحناء في الكثير من الملفات والقضايا مسايرة من أجل البقاء في موقعه لأنه كان بإمكانه أن يحقق التوازن داخل تركيبة الحكومة لتجنب الوصول إلى هذه المرحلة من الإنهيار.

 

أما وقد وصلت الأمور إلى هذا الحد فإن عملية التأليف جامدة بانتظار ما سيقرره رئيس الجمهورية المدعوم من “حزب الله” وبطبيعة الحال المدافع عن استمرار بقاء الوزير جبران باسيل في الحكومة. من الصعب على هذا الحلف أن يقبل بحكومة محايدة تستطيع أن تقوم بعملية إنقاذ شاملة لأنه يعتبر أنها خسارة سياسية يتكبدها وستكون لها تداعيات كثيرة عليه ليس لسبب إلا لأنه يعتبر أنه لن يكون قادرا على الإمساك بها والتحكم بقرارها. ولذلك يعمل في المقابل من خلال مسألة توقيت الإستشارات أن يعود إلى مربع التعطيل وفرض الشروط في التشكيل حتى ولو انهار الوضع السياسي والأمني والإقتصادي.

 

لحود وكأس الخسارة

 

مع هذه المرحلة يقف العهد مع حليفه أمام مفترق صعب. وهذا الوضع ليس جديدا في الممارسة السياسية في لبنان وفي لعبة السلطة والتوازنات. ولكن الجديد فيه هو طريقة المواجهة والمعالجة. بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري وتحت ضغط الشارع استقال رئيس الحكومة عمر كرامي في 28 شباط 2005. سلطة عهد الوصاية التي كان يمثلها تحالف الرئيس أميل لحود و”حزب الله” حاولت أن تلتف على التحول الشعبي الكبير من خلال إعادة تسمية الرئيس عمر كرامي بعد استشارات نيابية ملزمة لم يتم تأجيلها والمساومة عليها. ولكن على رغم ذلك فشلت هذه المحاولة وكان الخيار البديل حكومة انتقالية برئاسة الرئيس نجيب ميقاتي تؤمن إجراء الإنتخابات النيابية. حصلت الإستشارات وسُمي ميقاتي مع أن مجلس النواب الذي كان قام منذ العام 2000 كانت الأكثرية فيه مؤيدة لعهد الوصاية وبالتالي للحود و”حزب الله”. فقد سمى هذا المجلس ميقاتي مع أنه قبل خمسة أشهر فقط كان يمدد للرئيس لحود لمدة ثلاثة أعوام على رغم معارضة المجتمع الدولي والقرار 1559 الصادر عن مجلس الأمن والمطالب بانتخابات رئاسية جديدة.

 

بعد الإنتخابات النيابية في ربيع العام 2005 وفوز قوى 14 آذار بأكثرية المقاعد لم يمتنع لحود عن إجراء الإستشارات النيابية لتسمية رئيس الحكومة مع علمه أن الأكثرية لم تعد مؤيدة له وستسمي معارضاً للعهد وأحد أقطاب قوى 14 آذار فكان الرئيس فؤاد السنيورة. لم يطلب لحود أن يوافق السنيورة على التشكيلة الوزارية التي يرغب بها قبل أن يجري الإستشارات وكان يدرك أن هذه الحكومة ستعزله سياسياً وسيبقى مجرد رئيس جمهورية مع وقف التنفيذ في قصر بعبدا. التنازل الوحيد الذي أجراه السنيورة كان لـ”حزب الله” بعد محاولة التملص من تنفيذ الشق اللبناني من القرار 1559 المتعلق بنزع سلاح “الحزب”. ولكن هذا الأمر لم يحل دون المواجهة مع الحزب في الشارع وقد أدت إلى حصار السراي الحكومي بعد حرب تموز 2006 وبعد فشل عمليات قطع الطرقات في 23 كانون الثاني 2007 بالتنسيق والتكامل بين “الحزب” و”التيار الوطني الحر”. فهل كان قطع الطرقات وقتها مبرراً؟

 

على رغم الإنقلاب السياسي الذي حصل وقتها وعلى رغم المطالبة باستقالة الرئيس لحود إلا أنه بقي في بعبدا. اختار أن ينهي ولايته الممددة ولو رئيساً منسياً في القصر مكتفياً بتوقيع المراسيم التي تستوجب هذا التوقيع مع أنه قبل اغتيال الرئيس الحريري كان مشى في عملية إبعاد الرئيس رفيق الحريري مرتين عن كرسي الرئاسة الثالثة: الأولى عندما تم ابتداع مسألة تجيير أصوات عدد من النواب إليه بعد تسلمه الرئاسة في العام 1998 الأمر الذي أدى إلى اعتذار الحريري الأب. والثانية عندما أجبر مع النظام السوري الحريري على الإعتذار عن التأليف بعد التكليف بعد التمديد له وبعد محاولة اغتيال الوزير مروان حماده وبعدما كان الحريري سمع خبر اعتذاره قبل أن يعتذر. في المرتين ذهب عهد الوصاية إلى حكومة مواجهة ففشل الدكتور سليم الحص في الأولى بين العامين 1998 و2000 وانهارت الثانية برئاسة الرئيس عمر كرامي في شباط 2005. حكومة المواجهة التي اختارها “حزب الله” برئاسة الرئيس نجيب ميقاتي في العام 2011 انتهت أيضا إلى الفشل الكبير.

 

الخيار الصعب

 

هل يستطيع “حزب الله” مع الرئيس عون اليوم الذهاب إلى حكومة مواجهة بتسمية رئيس لها غير الرئيس سعد الحريري؟ نظرياً ربما يمكن الذهاب إلى هذا الخيار من خلال الأكثرية النيابية التي يمكن أن تسير معهما. ولكن هل تنجح التجربة في محاولة الإنقلاب على الثورة التي أسقطت حكومة الرئيس سعد الحريري؟ إنها مسألة صعبة أيضا. ماذا يمكن أن يختار الرئيس عون؟ هل يستطيع أن يحرر نفسه ويحرر العهد بالذهاب إلى حكومة إنقاذ تريدها الأكثرية الشعبية التي اعترف بدورها أم يبقى أسير الوصاية التي يختارها طوعاً هذه المرة؟ وهل بات “حزب الله” اليوم أضعف مما كان عليه موقعه مع الرئيس لحود في العام 2005؟