يتعرض اللبنانيون مع التلويح بـ”الإجراءات المؤلمة” الى ما تعرض له الفلسطينيون من قضم لقضيتهم، وصولاً الى “صفقة القرن”.
وتماماً كما هي الحال مع الشرذمة المدروسة والمتعمدة للقضية الفلسطينية بين “منظمة التحرير” من جهة وحركة “حماس” من جهة أخرى، بدأ فرز ساحة الـ”سلمية” عن ساحة العنف والتخريب.
وسواء في لبنان أو في فلسطين، تسرح شياطين المحاور المتصارعة في حروب الآخرين على أرضنا.
ومع كل ما يدور في فلك “الثورة”، يمكن استكشاف ان ما ينتظرنا، وما يحضر لنا، يقود الى القبول بما أوصلونا إليه، وإلا الإنطلاق منه الى الأسوأ.
الواضح أن من يدير شؤوننا غير عابئ بالشعب وحقوقه على دولته. فهو وفي كل ما يقوم به يبدو مسيطراً على دوزنة مشروعه للقضاء على أي موقف جامع للبنانيين.
وما بدأت “ثورة”، تكاد تنتهي تحركات من هنا وهناك. بعضها نخبوي، وبعضها الآخرمبرمج لمصلحة الطبقة السياسية، سواء بالتخريب، أو بتحوير المطالب التي لا تتحقق إلا بالإنتفاض لاقتلاع أصل المشكلة ومواجهتها من دون أقنعة أو مراعاة.
ويصبح مثلاً فلتان الحدود مسألة سياسية لا دخل لها بتردي الأحوال المعيشية. ويصبح الحديث عن سلاح غير شرعي مضراً بالثورة، لأن شريحة واسعة من الشعب المنكوب قد تُستفز.
فالتغيير النوعي والجذري مستحيل، اذا لم تتحول الشوارع الى شارع يجيد تأطير مطالبه بتوافق لا يسمح للسلطة باللعب على التناقضات. لكن هذه الميوعة لا تصنع التغيير. صحيح أن القدرة على حشد الجماهير في الساحات، وبأعداد ترعب السلطة، مسألة لا يمكن لها ان تستمر شهوراً.
لكن الصحيح أيضاً ان البناء على ما تحقق للسير الى الخطوة التالية هو المطلوب. وليس الإكتفاء بمعارض فنية او نشاطات نوعية. وكأن الانقسام بين دعاة السلام ودعاة العنف والتخريب هو ما تبقى من الشعارات التي رفعت مع انطلاقة 17 تشرين الأول. ما يحصل اليوم، يدل على أن السلطة تبني وتستثمر وتحور جوهر التحرك، ليصير الحق على قادة الحراك العاجزين عن لجم الممارسات التخريبية التي تشوه تحركهم وتقضي عليه. وصار بإمكان هذه السلطة ان تسير باتجاه الخطوة التالية، سواء من خلال التلويح، إما بسلب الناس كل ودائعهم مرة واحدة، او بالسلب الممنهج لهذه الودائع بحيث تقضي عليهم بالتقسيط، وبموجب جرعات مؤلمة، او بالتحذير من تأثير “صفقة القرن” والتوطين والتغيير الديموغرافي. وهي لعمري أشد خطراً على الكيان اللبناني من دنيوية المطالب المعيشية.
وإن لم يرعوِ هذا الشارع “الدلوع” أو “المشبوه” قد يشتد الضغط مع السماح باستكمال نضال الفصائل الفلسطينية المحسوبة على المحور الممانع من الجنوب اللبناني.
وبعد اليوم، لا حياء في “الدولة داخل الدولة”. فالظروف المصيرية لها متطلباتها.. وحينها لا صوت يعلو فوق صوت المعركة.
من هنا، واذا لم يستلحق المنادون بحقوق المواطنين أنفسهم، سيجدون كل يوم جهابذة الصف الثاني من ممثلي مافيات السلطة يصادرون مطالبهم ويتاجرون بها، ويوبخونهم على الشاشات لأنهم لا يجيدون ثورتهم.