استعدتُ الثقة عندما رأيت شبابًا وشابات من جميع المجتمعات ومن مختلف الأطياف يقفون يداً واحدة ويطالبون بالتغيير رافعين علماً واحداً، هو علم لبنان.
استعدتُ الثقة عندما رأيت شعباً كنا نعتقد أنّه نائم أو تبعي، موجود في جميع أنحاء لبنان، يجتاز جدران الخوف والذعر، ويتحدّى محرّمات الحرب ويهتف أسماء كان ذكرها ممنوعاً سابقًا، مطالباً بالمساءلة والمحاسبة.
استعدتُ الثقة عندما رأيت جنودًا لم يعد بإمكانهم التحمّل أكثر، فذرفوا دموعاً من العاطفة، أو مدّوا يدًا خجولة خلف ظهرهم للثوار، في مواجهة أشخاص يتعذبون، ولكن، كانوا يقدّمون لهم أزهارًا نقية وابتسامات بريئة ونظرات صديقة.
استعدتُ الثقة عندما رأيت نساء استثنائيات أصبحن رمزًا لهذه «الثورة»، يتحدّين الأسلحة والهراوات، بشجاعة رائعة وبسالة لا تضاهى.
استعدتُ الثقة عندما رأيت بسرور ودهشة، أنّ المكان الذي جعلوننا نعتقد لسنوات انّه معقل الإرهاب، لم يكن سوى رمز مثالي للاحتفال، والعيد وحب الحياة.
استعدتُ الثقة عندما رأيت الناس – من كل الأعمار – يتحدّون الأمطار الغزيرة، حتى لا يتخلّوا عن مطالبهم المشروعة، ولا يستسلموا للأمر الواقع، مع الحفاظ على شعاراتهم وكراماتهم.
استعدتُ الثقة عندما رأيت متطوعين شباباً من جميع الطبقات الاجتماعية يحضرون لتنظيف الساحات المركزية منذ الفجر، مع فرز النفايات من أجل إعادة التدوير الموعودة والمأمولة منذ عقود.
استعدتُ الثقة عندما رأيت شعباً بأكمله ينهض ضد الفساد المتسارع، الذي بدأ يبتلعنا منذ فترة ما بعد الحرب، والذي استمر في توسيع الانقسامات وتأجيج نزاع تمّ تصديره الينا.
استعدتُ الثقة عندما رأيت شعباً يتصالح – مصالحة كان يحلم بها لفترة طويلة – أولاً مع نفسه، ولكن قبل كل شيء مع أخوته اللبنانيين، ومع جميع المجتمعات والأديان والمذاهب مجتمعة، دون أي تدخّل محلي أو أجنبي.
استعدتُ الثقة عندما رأيت شعباً يُظهر للعالم كله صورة لثورة مدنية وسلمية وعصرية حقيقية، صورة ديمقراطية شفافة، موضوعها الرئيسي: حب الوطن واحترام الآخرين، لدرجة أنّ هذه الأزمة اكتسبت عن جدارة اسم «Lovevolution».
استعدتُ الثقة عندما سمعت صرخات ألم ومعاناة شعب رفض الاستسلام، وعزم أكثر من أي وقت مضى على مواجهة المصير لاستعادة ممتلكاته وكرامته، والبدء من جديد على أرض جديدة وخصبة، وإعادة بناء كل شيء ولكن بوجه خاص إعادة بناء نفسه.
استعدتُ الثقة عندما رأيت الآباء والأمهات يتحدّون جميع العقبات التي تحول دون إبقاء أولادهم في لبنان ومنحهم الفرص لبناء حياة أفضل ومتواضعة، لا بل أكثر من ذلك حياة «إنسانية» بكل معنى الكلمة.
استعدتُ الثقة عندما رأيت إخواننا المغتربين – الذين اعتقدنا أننا قد فقدناهم إلى الأبد – يتجمعون في البلدان المضيفة لهم في جميع أنحاء العالم، وهم يردّدون الشعارات نفسها والتي هي الأسباب نفسها التي دفعتهم إلى مغادرة وطنهم الأم.
استعدتُ الثقة عندما رأيت نساء وأطفالاً وشيوخاً يرفعون أيديهم لتشكيل سلسلة بشرية تربط الشمال بجنوب الساحل اللبناني، لهدف وحيد ألا وهو إرسال رسالة موحدة: شعار التفاهم والاحترام والمحبة.
استعدتُ الثقة عندما أدركت أنّ شعبنا لن يستسلم ولن يتنازل عن نضاله، وسيظل دائمًا مثالًا للمقاومة والصمود والنجاح للعالم أجمع.