الثورة تنفض عنها تهمة إرتفاع “العجز العام”… بالأرقام
سَهُل على المسؤولين تبرير ارتفاع العجز في موازنة العام 2019 إلى أكثر من 7.7 آلاف مليار ليرة، بوضع الحق على “الثورة”. فالإنتفاضة الشعبية التي انطلقت في الربع الأخير من العام الماضي، تحولت إلى شمّاعة تُلقى عليها مسؤولية ارتفاع العجز نتيجة تراجع الإيرادات. الحجة التي جرى تسويقها في الكلام، كذّبتها الأرقام الصادرة عن وزارة المالية، التي تبيّن بما لا لبس فيه ان العجز سببه ارتفاع النفقات وليس العكس.
يظهر ملخّص الوضع المالي لشهر كانون الأول من العام 2019 الصادر عن وزارة المالية ان الإيرادات بلغت 1283 مليار ليرة محققة زيادة بقيمة 145 مليار ليرة عن إيرادات الفترة نفسها من العام الماضي التي بلغت حوالى 1137 ملياراً.
أما من جهة النفقات فكانت الصدمة الحقيقية، حيث ارتفعت النفقات من 1712 مليار ليرة في كانون الاول من العام 2018 الى 2542 مليار ليرة للفترة نفسها من العام 2019 بزيادة قيمتها 830 مليار ليرة. على ماذا انفقت هذه الزيادة؟
يتضح من النفقات لشهر كانون الاول ان بند “الإنفاق العام” قاد هذا الارتفاع في شهر كانون الاول، حيث ارتفع من حوالى 1272 مليار ليرة في العام 2018 الى حدود 1940 مليار ليرة في العام الماضي، فيما بقيت النفقات على الكهرباء نفسها تقريباً وسجلت بنود فوائد الديون ارتفاعات طفيفة.
رئيس الجمعية الاقتصادية اللبنانية منير راشد يقول إنه “لا يمكن اعتبار ارتفاع النفقات في شهر واحد مقياساً عاماً. فمن الممكن ان يكون قد جرى في هذا الشهر تسديد فاتورة محروقات او خلافه. وبالتالي يجب النظر الى أرقام النفقات المحققة طوال العام”.
فلنوسع “البيكار” إذاً، ونرَ أرقام العام 2019 كاملة.
على الصعيد السنوي تُبين الارقام تراجع النفقات في العام 2019 بنسبة (-4.3 %) فقط بالمقارنة مع العام 2018، وذلك على رغم موازنة التقشف التي اعتمدت، والضغط الكبير الذى مورس لتخفيض الانفاق بما يقل عن 6.8 في المئة بالنسبة الى الناتج المحلي الاجمالي توافقاً مع متطلبات “سيدر”. فما مرد العجز عن تخفيض النفقات؟؟
يعزو راشد السبب الى “عدم التغير في بنود النفقات على الرواتب والاجور وعلى دفعات فوائد الديون التي بقيت تشكل 75 في المئة من حجم الانفاق العام، وأيضاً بسبب عدم تخفيض التحويلات الى كهرباء لبنان”.الخلاص بمعالجة الهدر والكهرباء
مما تقدم، نستطيع ان نستنتج أمرين أساسيين: الاول، ان إيرادات الدولة استمرت في التدفق ولم تنقطع رغم تراجع النشاط الإقتصادي وتعثر مئات الشركات وتوقف الآلاف عن العمل. وقد سجلت الايرادات على صعيد سنوي نحو 15980 مليار ليرة بانخفاض لم تتجاوز نسبته 1.8 في المئة عن العام 2018.
أما الإستنتاج الأهم فهو ان لا خلاص من العجز ولا شفاء للدولة وموازنتها الا من خلال تخفيض النفقات وتقليص حجمها واصلاح الكهرباء. وهذا لن يتم إلا من خلال موازنة جديدة تبنى على أسس علمية ومنطقية صلبة، وليس عبر إعادة تبني الموازنة القديمة من دون تعديل او نقاش. فموازنة 2020 التي تبنتها الحكومة الحالية عن الحكومة السابقة لا تتضمن تخفيضاً في النفقات العامة بأكثر من 700 مليار ليرة، في حين لم يجرِ الاتفاق بعد على تخفيض الفوائد على دين الدولة المستحق للمصرف المركزي والتي تبلغ حوالى 3000 مليار ليرة.
راشد يرى انه “لا يمكن تخفيض النفقات بشكل جدي الا من خلال معالجة الورم في شقين أساسيين وهما: الكهرباء، وبند الأجور والرواتب في القطاع العام، الذي يتضمن بدوره بند التعاقد الذي يشكل بين 15 و20 في المئة من مجموع النفقات على الرواتب.
أما البند الآخر فهو الحوافز والمخصصات على التعليم والمكافآت وبدلات الضمان، التي لا تدخل في صلب الراتب الشهري، والتي من الممكن تخفيضها بشكل جذري”. أما في ما خص أصل الراتب فلا يمكن بحسب راشد” المس به الا من خلال جدول جديد للرواتب والاجور يوافق عليه مجلس النواب”.
في جميع الاحوال فقدت رواتب القطاع العام لغاية اللحظة اكثر من 40 في المئة من قدرتها الشرائية، وقد امتص ارتفاع الاسعار كل الاضافة المحققة من سلسلة الرتب والرواتب. وبالتالي فان الحل يكمن في تطهير القطاع العام من الوظائف الوهمية وليس آخرها الـ 5 آلاف وظيفة التي أتيحت قبل الانتخابات النيابية الأخيرة.
ومن ثم تخفيض حجم القطاع العام، ما ينعكس حكماً على انخفاض عدد الموظفين. لكن هذا لا يعني صرفهم الى المنازل بل دمجهم في مؤسسات خاصة ذات كفاءة وانتاجية مرتفعة. وهذا ما يعود بالنفع عليهم وعلى الاقتصاد.