IMLebanon

راديكاليو الانتفاضة يستأنفون «الثورة»: تحرّك «المستقبل» مَصلحيّ

 

«لن نقف بين خياري الموت من المرض أو الموت من الجوع». هذا هو لسان حال منتفضي الساحات الذين يتخذون دوماً من أخطاء وحتى تآمر بعض من في السلطة وقوداً لتحركاتهم التي استهلوها أمس في شكل علني.

 

فرصة دياب تَنفد

 

مع تولي حكومة الرئيس حسان دياب زمام الأمور قبل نحو ثلاثة أشهر، دخلت مجموعات الحراك الشعبي في نقاش عميق في ما بينها حول مآل التحركات وماهيتها المقبلة. طغى رأي داخل تلك المجموعات حول ضرورة توفير فرصة للحكومة لكي تعمل. فهي جاءت ثمرة لنضال الساحات وحملت وجوها جديدة ونزيهة على العموم. كان الحراك على علم أنها ليست حكومة مستقلين، لكن جملة من العوامل ساهمت في انحسار التحركات الشعبية أهمها التقاط المنتفضين لأنفاسهم لبضعة أسابيع، علما أن الامر لم يكن موحدا بين المجموعات كافة، ذلك أن البعض رفض الموضوع جملة وتفصيلا وأصر على متابعة التحركات في الشارع مع تطويرها واتخاذها أشكالاً أكثر نفعا وإيلاما للسلطة وحماية للمحتجين.

 

مع هبوب وباء «كورونا»، حافظ راديكاليو الحراك على إصرارهم وتطرفهم في وجه الحكومة التي يرون فيها انبثاقا عن سلطة رفضتها غالبية الشعب. حاول هؤلاء تكييف أنفسهم مع الأمر في البداية، لكن استشراء الوباء وخطورته دفعهم الى الإقرار بمبدأ الحماية لأنفسهم كما للمناصرين وحفظ الانتفاضة برمتها.

 

مع الأيام، بدأ الوقت المعطى للحكومة يمر حتى اقتربت المهلة المُوفرة لها بالنفاد، في الوقت الذي لم تجد فيه المشاكل الكبيرة التي حضرت الوجوه الحكومية الجديدة لمعالجتها، حلاّ. وكان من الطبيعي نتيجة التراكم الزمني أن تكبر تلك المشاكل وأهمها الغلاء الوحشي للأسعار والتصاعد الهائل في سعر الدولار، بينما لم تحضر الوعود الحكومية بمحاسبة المتورطين وقمع الفساد، وعزز كل ذلك الإعلان عن الحضور السياسي السافر للقوى السياسية في الحكومة من دون مراعاة مشاعر الناس، وبعض الأداء الوقح من سياسيين كالتناتش على التعيينات وبروز صراع جديد من نوعه على السلطة حتى داخل الحكومة نفسها.

 

وعلى الرغم من أن «كورونا» قد شكل فرصة للحكومة لالتقاط الانفاس على طريقة «مصائب قوم عند قوم فوائد»، أحسنت في استثمارها في ظل أداء جيد في مكافحة الوباء أدى الى اعتراف أعتى خصومها به، فإن كرة ثلج التململ الشعبي يبدو أنها تكبر مع الايام بينما تقف الحكومة عاجزة وغير متعظة من مصير سالفتها علماً أن المنتفضين لم يرفعوا شعار إسقاطها.. حتى الآن بل هم يركزون على شعارهم الأبرز والبراق باستعادة الأموال المنهوبة.

 

شيئا فشيئا، حضر الرأي الأكثر جذرية بين المنتفضين لتعود التحركات من جديد وإن عبر وسائل تراعي دقة المرحلة صحياً عبر المسيرات السيارة أمس التي جابت بيروت ومناطق ما يعتبره هؤلاء رسالة تحذير بأن المقبل من الأيام أعظم. ولعل أمر الوباء لا يبدو أولوية لدى بعض الشرائح المُنتفضة، ويُفضل البعض الموت منه على الموت جوعاً، وهو ما يفسر الصرخة المتمادية في وجه السلطة التي بدأت تلقى صدى لدى شرائح منتفضة فضلت قبل أشهر ثلاثة تجميد التحركات حتى إشعار آخر.

 

دخول الحريري على الخط

 

والواقع أن لسان حال هؤلاء يتلخص في أن «السلطة السياسية الفاسدة المتعاقبة نهبتنا ووصلت سرقتها الى أموال المودعين، وبعد تدميرها قطاعات الدولة تتواطأ مع المصارف المتوحشة لسرقة جيوبنا». لذا لا أمل من سلطة كهذه، موالاة ومعارضة، ولن يقع الحراك في فخ الاصطفاف مع معارضة مستجدة مثل «تيار المستقبل» الذي انخرط في تحركات على الأرض قبل أيام تحت ستار الغلاء ورفع سيف التهديد في وجه دياب شخصيا قبل حكومته، وهو ما يشير الى محاولة لشد العصب من قبل الحريري مع غيره من أقطاب سياسيين يطالبون بتحاصصية مكشوفة.

 

وكان لافتا أن «المستقبليين» تحركوا في بيروت ومناطق وخاصة في عاصمة الشمال وعروس الثورة طرابلس، حيث لوحظ وجودهم في ساحة النور التي خرجت مع اندلاع الثورة ضد زعيمهم كما غيره من أقطاب السلطة السياسية. وقد تمكن هؤلاء من التسلل لمحاكاة نبض شعبي متألم وصل الى حافة الجوع في ظل دراسات تشير الى أن نسبة الفقر في طرابلس والشمال قد تصل الى نحو 65 في المئة!

 

وأمام ذلك، من غير الممكن طرد كل من نزل الى الشارع ليرفع الصوت في وجه السلطة، ولو انقلبت الادوار ليصبح الحريري المنتفض بعد أن كان ضحية الانتفاضة في البدء، كون ما ينادي به «المستقبليون» هو كلمة حق في ظل الفقر المدقع والمتفاقم.

 

لذلك، شرع أنصار الحريري في مجموعات على الأرض في مناطق مختلفة، ولو من دون شعارات سافرة تكشف مطلقيها، ما يشكل إعلاناً بانطلاقة معارضة سياسية شعبية ضد دياب شرع بها الحريري الذي يشير بعض من في بيئته الى شعوره بالندم الكبير على حساب خاطئ حول سرعة سقوط دياب بعد توليه الحكومة وعدم تمكنه من مواجهة التحديات الكبيرة التي كان مقدراً لها أن تمثل أمام الحكومة والتي تمكن دياب من تجاوزها برشاقة.

 

اليوم، اتخذ الحريري قراره بالعودة الى لبنان والشروع في تحرك علني ضد دياب بعد أن حاول تحييده في الأسابيع الاولى لحكومته لعدم الدخول في معركة تتخذ طابعا شخصيا معه، لكن معركة من هذا النوع لا تبدو مُلحة بشدة بالنسبة الى بعض أركان المعارضة الناشئة التي تتخذ منحى تصاعديا ضد الحكومة والعهد مثل زعيم الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط وزعيم «القوات اللبنانية» سمير جعجع، وحتى رئيس المجلس النيابي نبيه بري الذي ما يزال يريد للحكومة الصمود كون لا بديل عنها في الوقت الحالي.

 

سيتخذ الأمر وقتاً قبل أن تتبلور تلك المعارضة السياسية أو أن تشكل جبهة ما، وهو ما دونه صعوبات خاصة في ظل الظرف الوبائي الحالي. لكن المسألة، في المقابل، تبدو جد بسيطة بالنسبة الى منتفضي الشارع الذين عادوا من مناطق مختلفة إلى وسط بيروت من حيث أخرجوا قبل أسابيع عبر المسيرات السيارة التي سيستكملونها اليوم بما يراعي تعميم وزارة الداخلية ويلتزم بالأمن الصحي، ليشكل ذلك فاتحة تحركات مقبلة تحت شعار «نحن عائدون في وجه كل هذه الطبقة الفاسدة، الحاضرون منها في الحكومة أو غير المشاركين فيها»، ليستعيدوا شعارات الماضي القريب في ظل العلم اللبناني الذي جمعهم في أوج «الثورة».