لن تسقط الحكومة بفِعل الضغط الشعبي ولا استجابة لمطالب الثورة. ستسقط كثمرة مُهترئة. ستسقطها فضائحها، وعودها الكاذبة وإنجازاتها المزعومة، حفلة التأليف التنكّرية، عودة الوزراء من مهرجان التصفيق ضدّ المحاصصة إلى احتفال توزيع الهدايا على المُتحاصصين، عنتريات رئاسية ليلية وهزائم صباحية. لا أناقة نسائها، ولا تأنّق رجالها، ولا مشط الرئيس وصِباغ شعره كانت كافية لإخفاء قبحها.
أعذارها وذرائعها جاهزة: لم يسمحوا لها، تآمروا عليها، إرث السنوات والعقود الماضية الثقيل، قانون “قيصر” والعقوبات الأميركية، الصراعات الإقليمية، عودة السلطان إلى حروب المتوسط وأرتحششتا إلى حصار صيدا، والشريف حسين يقود جيش الوهابية، والمهدي المنتظر ومعاوية والحسين والشيعة والسنة والفينيقيون وكل اللغات القديمة والأسماك المتحجّرة على قمم الجبال.
سيكون سقوطها أكثر دوياً لأنها لم تتعلّم من سقوط الأولى. منذ الإستقلال، ما من حكومة سبقتها في أناقة المظهر وتفاهة المعنى. هي التي حوّلت اجتماعها إلى احتفال بميلاد موظف، وهي التي صارت معها الخيانة وجهة نظر، والقانون الوضعي شريعة غاب، والدستور ممسحة على باب السلطان، والعلم الوطني أعلاماً وألواناً، ولا حياء ولا خفر. هي التي، تحت مظلّتها، ينتهك الحاكم الدستور، وتُستباح إستقلالية القاضي، وهي التي ضربت عرض الحائط بمعيار الكفاءة وتكافؤ الفرص، وأحلّت محلها قيم الإستزلام وبيع الضمائر والمُتاجرة بالسيادة الوطنية.
ذلك السقوط المُدوي يُملي على الثورة أن تقلب الصفحة الأولى من مسيرتها الناجحة، وتبدأ جولة جديدة، مُستفيدة من إنجازاتها الكثيرة وإخفاقاتها القليلة. عليها أن تمسك منظومة الفساد والإفساد والمافيا الميليشياوية باليد التي تؤلمها. هي استدارت على مطالب الثورة، وأفرغتها من مضمونها، فشكّلت حكومة بلا سياسيين، لكنّها أسوأ من كل الحكومات السياسية في تاريخ لبنان، وناصبت العداء للقطاع المصرفي واستهترت بمطالب الثورة، فلا حاسبت مُختلساً، ولا استعادت مالاً منهوباً، ولا سنّت قانون انتخابات، ولا حصّنت القضاء، بل هي عملت وتعمل على ما يزيد الشعب اللبناني فقراً، ويمنح لصوص المال العام فرصاً إضافية.
أمران يُحاصران سلطة الميليشيات المافياوية ويُضيّقان الخناق عليها: نهب المال العام واستباحة السلطة القضائية. التركيز عليهما يصيب من السلطة مقتلاً. أما تشتيت الضغط على مطالب أخرى هي من صميم برنامح الثورة، كالانتخابات المُبكرة والمعابر غير الشرعية واحتكار الدولة وسائل العنف وغيرها، فستكون، بغياب القضاء المستقل، وسيلة لتملّص السلطة وهروبها نحو تجييش الطوائف المطواعة، والإحتماء خلفها.
قد تسقط الحكومة بين ليلة وضحاها. قد يتخلّى عنها أصحابها بعدما امتثلت لقراراتهم وأنجزت لهم التعيينات التحاصصية، ووفّرت لهم تغطية على فضائحهم. ولن يمنحهم صك براءة، انتقالهم من العراضات بالعصي والدراجات والتهييج الطائفي للتخريب على الثورة، إلى عراضات تهريجية تنشد الوحدة الوطنية.
أياً يكن سبب سقوطها أو إسقاطها، فالثورة مُطالبة باتّخاذ قرارات شجاعة. أولها، التمسّك ببنود برنامجها إياه من دون تعديل إلا في تحديد الأولويات، ثانيها، عدم التصويب على غير المُذنِب الحقيقي المُتخفّي خلف قرارات حكومة الدمى، وثالثها، تنظيم العلاقة بين مكوّناتها على أسس الديموقراطية في اتّخاذ القرار والإلتزام الحازم بالبرنامج وأولوياته، واحترام خصوصيات الأطراف وحقّها في المبادرة بما يصون الثورة ويحول دون شرذمتها.