أصرّت السلطة على قمع غضب الناس وعلى منعهم من أبسط طرق التعبير عنه، بعد أن أدى فسادها وإهمالها إلى تفجير بيروت. فمارست عناصر الأجهزة الأمنية وجزء منها بلباس مدني العنف على المتظاهرين الذين سقط منهم جرحى وناجون من الإنفجار. وأدت وحشية القوى الأمنية والعناصر الأمنية المدنية، وتعمدهم توجيه أسلحتهم بشكل مباشر إلى المتظاهرين، لإصابة أكثر من 20 شخصاً منهم إصابات مباشرة بأسلحة محرمة دولياً قد تسبب لهم عاهات دائمة. وهو ما يؤكده لـ”نداء الوطن” المحامي مازن حطيط من لجنة الدفاع عن المتظاهرين، ويكشف بأنهم وثّقوا حتى الآن عشرين إصابة من هذا النوع، في حين يستمر العمل من أجل توثيقها كلها تمهيداً لتقديم دعوى قضائية مطلع الأسبوع المقبل. في هذا الوقت يتهيأ ناشطون لمحاولة إسقاط التوجه لإعلان حالة الطوارئ في جلسة مجلس النواب ظهر اليوم. فيما تؤكد مصادر المنتفضين لـ”نداء الوطن” أن هدوء الشارع مرده إلى تحضير المجموعات لشيء ما.
وفيما من المرجح أن تتعامل القوى الأمنية بعنف مع من سيتظاهر اليوم رفضاً لفرض حالة طوارئ، نتيجة ما أظهرته السلطة من إصرار على الاستمرار في النهج ذاته على الرغم من كارثة الإنفجار، لا يزال يخضع للعلاج مصابون جرى تعمد استهدافهم بشكل مباشر، فيما حياتهم بخطر. واليوم ونتيجة عنف السلطة، يعيش المحامي فراس حمدان في ظلّ خطر دائم. فهو يحمل في قلبه خردقةً اخترقته خلال التظاهر، ما استدعى إجراء عملية جراحية له لنزع الشظية التي أصابته من دون التمكن من نزع الخردقة. وفي اتصال مع “نداء الوطن” يؤكد حمدان عدم تمكن الأطباء من إزالة الخردقة من قلبه لما يشكله ذلك من خطر على حياته. “لا أدري حجم الضرر الذي سيسببه مستقبلاً بقاؤها في قلبي. كنت أنقل ما يجري مباشرة عبر “فيسبوك” فانفجرت قنبلة في وجهي وأصبت بقلبي وساقي. لا أدري من أطلق القنبلة ولم أتأكد ما إن كانت جهة حزبية أم رسمية، مسؤولية القضاء كشف ذلك”، يقول حمدان.
ويؤكد المحاميان، حمدان وحطيط، التوجه لرفع دعوى قضائية لملاحقة المرتكبين. وعن الأمل بالتوصل إلى نتيجة، يرى حمدان بأن ما قبل 4 آب، تاريخ الإنفجار، ليس كبعده، “فسيتم التعاطي مع كل متواطئ على أساس مختلف. مستمرون بمسيرة التحرر وقد يسقط خلالها شهداء”.
وفي حين تحضّر الملفات للتقدم بالدعوى نهار الإثنين المقبل، يشير حطيط بأن تحضيرها يحتاج لبعض الوقت نتيجة تواجد مصابين في غرف العناية الفائقة وصعوبة دخول الطبيب الشرعي للكشف على الحالات. كما يشير حطيط إلى مشكلة واجهها الأطباء الشرعيون، “إذ يعجز الطب الشرعي في تقاريره عن تحديد ما يمكن أن تؤدي إليه الإصابات، فالخردق العالق في أجساد المتظاهرين قد يتحرك بوجود أي حقل مغناطيسي. حتى لدى إجراء صورة الرنين المغناطيسي لحمدان كان هناك احتمال بأن تتحرك الشظية وتقتله”.
ووفق حطيط فلن تشمل الدعوى التي سيتقدم بها محامو اللجنة بالتنسيق مع نقابة المحامين في بيروت، كل الحالات من اختناق وغيرها، إنما فقط الحالات الـ20، حتى الآن، والتي استخدمت فيها اسلحة محرمة وأدت لعاهات دائمة، “كي لا يتم ارهاق القضاء، ومن هذه الحالات متظاهرون اقتلعت أعينهم وآخرون انطفأت أعينهم نتيجة دخول الخردقة فيها وتدمير الشبكة، وأحد المتظاهرين تم استئصال طحاله”.
وعن فرص نجاح الدعاوى المقدمة بمحاسبة المرتكبين، يؤكد المحامي وجود تخوفات، “لكن دورنا أن نخوض الصراع القانوني اللازم. شاهدنا عناصر مدنية تطلق الرصاص على متظاهرين وتحاول قتلهم، تملصت منهم القوى الأمنية وعلى القضاء كشف هويتهم. فإما أن يحاسبوا أو أن يقول القضاء أنه عاجز عن محاسبة القتلة فيما يحاسب الفقراء. هناك قضاة نزيهون وهي مناسبة ليسعوا لإحقاق الحق”.
واستدعى عنف القوى الأمنية توجيه رسالة من نقيب الاطباء في بيروت، البروفسور شرف أبو شرف، إلى وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال محمد فهمي، لفت فيها إلى خطورة استعمال الرصاص المطاطي على العين، وحذر من مغبة توجيه مثل هذه القذائف إلى الرأس. وناشد ابو شرف فهمي الايعاز إلى الأجهزة المولجة قمع التظاهرات بتجنب استعمال الرصاص المطاطي كلياً. وعلى الرغم من تحذيرات الأطباء يبدو أن لا توجّه لدى القوى الأمنية للكفّ عن هذه التصرفات. وتشكل التظاهرات المتوقعة اليوم أمام قصر الأونيسكو حيث يعقد مجلس النواب جلسته، اختباراً جديداً للقوى الأمنية. فإما أن تتفهم غضب الناس وتتجنب أذيتهم، وإما أن تصر على قمعهم والتسبب بإصابات قاتلة فداءً للسلطة. إشارة إلى أن الدعوات للتظاهر اليوم ظلت خجولة، بانتظار ما تحضر له المجموعات.