يتنفس ناشطو الحراك المدني والشعبي الصعداء هذه الأيام. يتفاءل هؤلاء رغم المأساة التي أثبتت مقولة العديد من المنتفضين بأن لا أمل من المنظومة السياسية الحاكمة في لبنان، سواء من كانوا في السلطة أم أولئك المعارضين لها. فقد دلّت الأخبار المتتالية من موقع إنفجار المرفأ أن مختلف القوى السياسية في البلاد كانت على علم بخطورة تلك القنبلة الموقوتة التي هزّ دويّها حكومة الرئيس حسان دياب فأسقطها، بعد أن بُحت حناجر منتفضين كثر بأن لا أمل من حكومة سياسيين بوجه تكنوقراطيّ.
ذلك أنه منذ اليوم الأول لتشكيلها، علت صرخات معارضة في الانتفاضة نازعة ثقتها عنها واستمرت مهاجمة إياها رغم الظروف الصعبة التي واجهت تلك الحكومة وإنفجار تراكمات عقود ماضية في وجهها.
موقف مجموعات في الحراك السلبي من الحكومة منذ البداية دفعهم نحو تحركات لم تتوقف، وإن متقطعة نتيجة ظروف هبوب وباء «كورونا» التي منعت الحشود الكبيرة، وكان من بين تلك التحركات محاولة منع المجلس النيابي من توفير الثقة للحكومة، كما استهداف مرافق ترمز الى فساد السلطة الحالية التي ظهر بعد أشهر أن حكومتها التي إنبثقت عنها لم تكن سوى «حكومة أقنعة».
المشروع البديل
هذه المرة يبدو الحراك أمام تحد كبير يتمثل في عدم الاكتفاء بردة الفعل والعمل على تقديم المشروع البديل والهدف في هذه اللحظة حكومة مستقلين طبعا، لن تكون على غرار الحكومة التي يحضر لها الاقطاب في البلاد بدعم غربي. مع شرط توفير ضمانات لها للعمل من دون خطوط حمر كونها يجب أن تلج مواضيع استراتيجية للبلد مثل قانون انتخابات جديد وعادل كون القانون الحالي مرفوض مثلما أن العمل على تقصير ولاية المجلس الحالي في ظل القانون القائم سيكون مرفوضا هو الآخر كونه سيعيد الطبقة السياسية نفسها.
ومن هذه المواضيع التي يطالب بها اللبنانيون أيضاً محاسبة وإستعادة الاموال المنهوبة، ومنها أيضا محاسبة أعلى المسؤولين عن التفجير المأساوي في المرفأ، إضافة الى توفير الأمان الاجتماعي للبنانيين في ظل الانهيار التام الحاصل والذي قد يؤدي الى المجاعة، ولا ينتهي الأمر في مطلب يرفعه كثيرون في الحراك يتمثل في الانفتاح على المجتمع الدولي وشروطه في الشفافية وعدم هدر الاموال بغير أماكنها… من دون أن يعني ذلك إرتهانا لهذا الغرب بل الإستفادة من زخمه المستجد اليوم.
هذه شروط الحراك للانطلاقة وإخراج البلاد من مأزقها العميق، فانتخاب مجلس نواب جديد سيؤدي حسب هؤلاء الى إستقالة لرئيس الجمهورية وإعادة تكوين للسلطة ومحاسبة من سرق وقتل في البلاد. وهي مطالب أساسية لـ«17 تشرين» منذ نحو عام، تاريخ الإنطلاق.
وسيشرع المنتفضون في تحركات مفتوحة لن يعلنوا عنها ولن تستقر في منطقة واحدة بل ستكون مباغتة لمواكبة ما حصل سياسيا ولعدم كشف الاوراق للسلطة، التي يشكو الحراك من إنها لجأت الى أساليب أكثر عنفية عن السابق مثل إستهداف المتظاهرين في أماكن علويّة من أجسادهم، وهو ما دفع نقيب الأطباء الى التوجه الى وزير الداخلية اعتراضاً على مخالفة القانون الدولي بذلك، ومثل إطلاق قنابل عنقودية صغيرة مؤذية في رذاذها الخردق وهناك من أصيب وحالته حرجة، واستعادة مشهد التوقيفات المكثفة والاستدعاءات وغيرها..
في هذه الاثناء، ومع حالة الطوارئ المزمع تثبيتها في البلاد، يتوجس الحراكيون من نية لاستغلال وباء «كورونا» من جديد لمحاصرة الزخم الشعبي المتصاعد. لكن في كل الاحوال، يبدو أن طرفي السلطة ومجموعات الانتفاضة يتجهان نحو صدام جديد مع انتقاء حكومة جديدة من السياسيين مهما كان العنوان الذي ستتخذه.
ولمجابهة هذا المخطط، شرعت المجموعات في تنظيم نفسها وتحديد الأولويات عبر إجتماعات مكثفة تؤطر الجهود للإتفاق على الاساسيات وعلى رأسها الحكومة المنتظرة. أما لناحية استحقاق الانتخابات النيابية، فيأتي في المرتبة الثانية لكن التحضيرات قائمة منذ الآن لاختيار الاسماء المرشحة لتمثيل أفضل للحراك. هنا بالذات سيكون على المجموعات تفادي خلافات كثيرة وكبيرة ستعصف بها، علما أن موضوع الانتخابات المبكرة ليس مطروحا عند قوى السلطة، كما أن موعد الانتخابات بعد أقل من عامين قد لا يكون ثابتا أو حاصلاً.
لبنان والظرف الدولي
على أن مرد التفاؤل لدى الحراك لا يُستمد طبعاً من طبيعة القوى التي ستأتي الى السلطة أو الوجوه التي ستحملها معها الحكومة المقبلة، بل من كون الظروف اليوم، الخارجية منها خاصة، بدأت تختلف نوعا ما عن تلك السابقة.
هذا ما دفع بكثير من المجموعات الى التحضير لاستحقاق الانتخابات فشرعت في «تمارين» فعلية حول كيفية مقاربة هذا الموضوع عبر «مجلس نواب تجريبي» تحدد كل منطقة الأسماء القادرة على الترشح فيه، على أن تكون ذات احترام وحيثية شعبية ونشاط اجتماعي وسياسي وبعيدة عن الأحزاب السياسية والدول الخارجية. والهدف هو التوصل الى المرشحين الـ128 الأمثل لاستحقاق الانتخابات.