Site icon IMLebanon

هل أشعلت أحزاب الحكم «الثورة» على سعر الدولار؟

 

ربما هي المرة الاولى منذ 17 تشرين 2019 التي تشعل فيها احزاب في السلطة نار الاحتجاجات الشعبية لاهداف تتعلق بصراعها داخل الحكم وتوجيه كرة اللهب في اتجاه خصمها وهو العهد.

 

كان ذلك واضحا منذ اللحظات الاولى لنزول شباب الخندق الغميق عبر دراجاتهم النارية ليجروا دورتهم المعهودة في ارجاء العاصمة وخارجها. بروز المشهد الحزبي بدا صارخا وسريعا في المنطقة الشرقية لبيروت كما في الدورة وجل الديب والزلقا وكسروان، وهو المشهد المشابه لمناطق الجية والناعمة وصولا الى الجنوب حيث بدا بالغ الرمزية قطع طريق عدلون، وصعودا نحو طرابلس والشمال ثم البقاع والجبل..

 

لا يعني هذا ان مجموعات الانتفاضة الحقيقية كانت غائبة عن المشهد فهي لجأت سريعا الى استلحاق الذات وطغت على مسرح وسط المدينة حيث نزل «الحزب الشيوعي» ومجموعات مستقلة فيها اليسار والوسط واليمين وطابعها شبابي على الأعم تحت شعار مدني. كما نزل الحراكيون في مناطق تواجدهم الدائمة في الشمال والبقاع والجنوب والجبل..

 

وفي قراءة حراكية لما جرى فور تخطي الدولار عتبة العشرة آلاف ليرة، ثمة تحريك حزبي للشارع ثم تراجع عن المشهدية بعد توجيه الرسالة الى من يعنيهم الأمر. هكذا هو الحال مع شباب الخندق الغميق حيث الحضور «الأملي» لتوجيه البوصلة في اتجاه الخصم العوني، وكان ملاحظا ان القيمين على تلك التحركات هذّبوا تصرفات ذلك الجمهور وصاغوا بوصلته الجغرافية لكي لا تستقر على قطع للطرقات على جسر الرينغ، بل لكي تتوسع نحو مناطق نفوذهم على طريق المطار والغبيري ورأس النبع اضافة الى مناطق في بيروت.

 

والحال شبيه في «المناطق الشرقية» حيث الغالبية للاحزاب المسيحية وخاصة «القوات اللبنانية» وفي درجة اقل «الكتائب» وكان ذلك ملحوظا مع حضور شبابي حاد احتل صدارة المشهد في قطع منظم للطرقات استمر طويلا تجاوز مثيله من مناطق اخرى.

 

والواقع شبيه في اماكن نفوذ «تيار المستقبل» في كورنيش المزرعة وقصقص ثم خارج بيروت في الناعمة وغيرها، اضافة طبعا الى عاصمة الشمال طرابلس ومناطقها المجاورة.

 

ونزلت المجموعات في مناطق «المستقبل» في بيروت وإقليم الخروب والبقاع لرفع شعار اطلاق الموقوفين في أحداث طرابلس الذين حُولوا الى المحكمة العسكرية، ولمنع الاستغلال السياسي والمذهبي لقضيتهم من قبل اطراف في الحكم.

 

وسُجل حضور ملحوظ لمجموعات الثورة في صيدا ونزل ىخرون في صوفر ومحيطها وساحة الجبل وهي التي قدمت من بعلبك ومناطق اخرى.

 

هذه القراءة لا ترى صدفة في التصويب السياسي والشعبي في اتجاه رئيس الجمهورية ومعه طبعا «التيار الوطني الحر» على خلفية الواقع الحكومي. لكن في المقابل هذا لا يضر بالحراك ومن المفيد ان تتوحد الشعارات ولو ظرفيا بين الثوار الحزبيين والثوار المستقلين، وثمة ترحيب لا بل جهد لدى مجموعات الحراك لاستيعاب جمهور الاحزاب الذي يشعر بالوجع نفسه والذي اشترك بعضه مع تحرك المنتفضين في ساحة الشهداء بعيدا عن المسيرات السيارة المستفزة في المناطق.

 

خطورة الفراغ المقبل

 

تؤكد المجموعات التي تقارب طبيعة التحركات حسب ظرفها اليومي، بانها مستمرة في التحركات التي اتخذت الزخم الجديد مع الارتفاع الهستيري للدولار، وثمة عمل لوجستي لهذا الموضوع على الارض اضافة الى جهود لتوحيد المجموعات في اطار واحد، ما يبدو صعبا حتى الساعة.

 

ولسان حال هؤلاء أن لا عودة الى ما قبل 17 تشرين الأول والرسالة الاساسية تتكمل في شعار اعادة بناء هيكيلة النظام واعادة انتاج السلطة على قاعدة ديمقراطية. واذا كانت الدولة المدنية هي الامل الاقصى، فإن النظام اللبناني الذي فشل في كل الامتحانات الوطنية سيكون بديله انتاج عملية ديمقراطية وطنية وإلغاء الطائفية السياسية بدءا بتنفيذ اتفاق الطائف على طريق اسقاط المنظومة.

 

وفي عرف المجموعات المتحركة على الارض ان البلد مقبل على فوضى نتيجة الانسداد في الافق السياسي والتشنج الاقليمي الدولي، وفي مقابل الخشية من استغلال اركان الحكم لذلك لتوتير الوضع طائفيا على الارض، سيكون من واجب المجموعات الاصيلة في الانتفاضة السعي الى تجنب الانفجار الاجتماعي الخطر عبر نضال سلمي يملأ الفراغ الذي سيحصل.

 

على ان الايام المقبلة كفيلة بفرز التحركات الجارية بين مؤيدي السلطة، على تنوعهم، ومجموعات الانتفاضة التي افتتحت الاحتجاجات في 17 تشرين ولا زالت تتوالد حتى الساعة. وثمة ميل عام لترجيح ان يقتصر طابع التحرك السياسي على تحركات الاحزاب في البيئة المسيحية التي تخوض امتحانا صعبا في هذه الظروف، بينما ستتراجع وتيرة الحدّة في الساحات الشيعية والسنية والدرزية حيث الثقل الكبير لأحزاب السلطة التي تخضع تحركاتها لرؤيتها السياسية كما لمصالحها.