دخلت الثورة أسبوعها الرابع بزخم وتصميم على تحقيق خرق في جدار السلطة المنيع، مؤكدة كل يوم انه من المستحيل العودة الى ما قبل ١٧ تشرين، وان الشباب قد أخذ هذه الثورة الى نقطة اللاعودة عن ولادة الدولة الحديثة التي تحاكي طموحه وتؤمن ادنى حقوقه وتضع حداً لمنظومة فساد استفحلت بالمؤسسات العامة دون خجل أو مراعاة ليوم حساب بات قريباً، مع كل التقدير لتحرك استمر أسابيع على مساحة الوطن دون الوقوع في هاوية الفوضى او التخريب او المشاكل على الرغم من الضغوطات الهائلة من السلطة وأحزابها. لقد اثبت الشباب انه هو من يضبط نبض الثورة، حيث شكل تحرك طلاب الجامعات وتلامذة المدارس خطوة متقدمة نحو مستقبل يكتبونه بأصواتهم وخطواتهم التي لن تهدأ حتى تستجيب السلطة لصرخاتهم.
وكأن ضغط الشارع غير كافٍ للتحرك الرسمي السريع حتى جاء تقرير موديز وأعلن تخفيض التصنيف الائتماني مما يعني انه على طريق الإفلاس التام وتصنيف لبنان بالدولة المارقة اذا ما استمر الوضع على ما هو عليه ولم تعالج الازمة. وبالتالي، تقع المماطلة المتمادية لإجراء المشاورات والتكليف وحتى التأليف في خانة تعريض لبنان للانهيار التام، وما هو الا فصل من البازارات التي انتهجتها السلطة عند كل القرارات المفصلية… الا ان الظرف اليوم لم يعد يسمح بهذا الترف، حيث يريد كل فريق ان يضمن حصته في الوزارات وما وراءها، في نفس الوقت يحاول ان يركب الموجة الشعبية ليتهرب من المحاسبة… فالمشهد على ارض الواقع قد تغير، والشباب الذي استلم دفة الثورة قد كسر كل حواجز الخوف ومراعاة التوازنات السياسية، وبات همه الوحيد إنجاح الثورة لانها ترمز للقمة عيشه الملوثة وحقوقه المعيشية المسلوبة وطبابته، والمرأة التي باتت رمز الثورة تسعى لابعاد شبح الهجرة والتهجير، تجاهد لاسترداد حقوقها المغتصبة من قبل سلطة مبنية على الطائفية العمياء، تحارب لاقرار ضمان شيخوخة لابعاد المسنين عن حاويات القمامة، ولا يزال السياسيون يتساءلون عن جنس الملائكة ومن يمول الثورة ومن وراءها… وقد بلغ الإنكار لواقع بات واضحاً مثل عين الشمس انهم هم من مولوا الثورة باستخفافهم بحاجات الناس واستباحتهم للمال العام وتماديهم في تحميل المواطن المسكين تكلفة نهبهم الممنهج للدولة على مدى سنوات… ولا يحاولنّ طرف التنصل من هذه التهم، فمن لم يسرق إنما تغاضى عن السرقات مراعاة لتوازنات معينة وبالتالي لا يعفيه ذلك من المسؤولية، وبالتالي، لا بد من فتح كل ملفات الفساد دون استثناء، وعلى الثوار الضغط على الأجهزة القضائية والرقابية لفتح كل الملفات وفضح كل الفاسدين من مختلف الانتماءات وفي شتى المراكز اجهاضا لمحاولة السلطة تصويبها على طرف دون الآخر لزرع الشقاق وتحريك النعرات الطائفية وتضليل الرأي العام عن سائر مكامن الفساد في كل الدوائر الرسمية، وأهمها سرقة الكهرباء الموصوفة التي تكلف الدولة ملياري دولار لتغطية العجز ومليار ونصف بدل ما يدفعه المواطن لأصحاب المولدات وهي خسارة لشركة كهرباء لبنان، مع كل الرفض المريب لمساعدات الصناديق الدولية والشركات العالمية… والحديث عن الفساد لا ينتهي من مرفأ واملاك بحرية وسدود. كسارات وصناديق خاصة ولجان ومستشارين برواتب فلكية كلها عناوين رسمية لقنوات نهب المال العام وتقاسم المغانم في ما بينهم…
شعار كلّن يعني كلّن هو روح الثورة التي جمعت ابن النبطية بإبن طرابلس ومدت يد ابن جبل لبنان ليمسك بيد ابن الشوف وبعلبك والبقاع وفتحت قلب بيروت ليصرخوا من ساحاتها بصوت واحد: كلّن يعني كلّن!
انها ثورة الشباب، روح الوطن ونبض المستقبل، ولن تجدي محاولات التسويف والمماطلة سوى بتفاقم الازمة المالية والاقتصادية وخروجها عن السيطرة، اضافة الى ان الشارع قد قهر تحدي الوقت بما انه يزيده عزيمة على عكس ما راهنت عليه السلطة، بل يحفزه على تحدي كافة الحواجز والمحرمات… فهل يتحرك المعنيون بواقعية وسرعة ام ان بعض الأطراف تحاول ابقاء لبنان رهينة الصراع الدولي مهما كان الثمن؟