كان كل شيء يسير وفق الخطة المرسومة: التوريث، القمع، الفساد، التعذيب الخفي، وكل هذا تحت غطاء متقن من مسرحية «النظام الاسدي حامي دولة القانون والحريات». فجأة انسحقت خشبة المسرح تحت الثقل الموجع لصورة جثة طفل مشوهة بآثار التعذيب: اسم الطفل حمزة علي الخطيب وعمره اربعة عشر عاماً، واسم الدولة/المسرحية سوريا. هنا بدأت الحكاية حين قرر السوريون ان بلادهم لم تعد قابلة للعيش، فأطلقوا ثورتهم السلمية بتجمعات شعبية من درعا ودير الزور وبانياس تنادي بإسقاط النظام.
الشرارة الصغيرة أشعلت نار الغضب بسرعة مذهلة. مئات، آلاف، عشرات الآلاف، مئات الآلاف،… ملايين. هذه الاعداد المذكورة ليست لمتظاهرين خرجوا ينتفضون لكراماتهم وحياتهم المسلوبة منهم منذ عشرات السنين، لا بل هي لجثث السوريين الذين اختبرت على اجسادهم اساليب قتل فاقت التصور. تشير احصائيات مؤسسات حقوقية سورية ودولية ووكالات عالمية الى ان قرابة نصف مليون سوري قتلوا منذ العام 2011، عدد القتلى المدنيين وفق احصائيات مختلفة وصل الى الـ 200 الف مدني منهم ما يقارب الـ 18 الف طفل واكثر من 10 آلاف امرأة ونحو الـ 75 الف رجل. المقاتلون الموالون للنظام يصل عدد قتلاهم الى 110 آلاف، عدد قتلى جيش النظام من بينهم وصل الى ما يقارب الـ 61 الفاً، و45 الفاً من المسلحين الموالين للنظام، اما الميليشيات الشيعية المتعددة الجنسيات فوصل عدد قتلاها الى 5330 من بينهم ما يقارب الـ1400 عنصر لـ «حزب الله». اما في صفوف قوات المعارضة فقد فاق عدد القتلى الـ 105 آلاف، 55 الفاً من التنظيمات المتطرفة وما يقارب الـ 51 الفاً من قوات المعارضة والتحالف العربي الكردي، ومن ضمنهم 3700 مقاتل من اطراف غير معروفة فيما قتل 2600 جندي انضموا الى قوات المعارضة بعد انشقاقهم عن الجيش السوري. في حين تشير الاحصائيات الى ان قرابة الـ 45 الف شخص قضوا تحت التعذيب في معتقلات النظام، كما ادى النزاع الى اصابة اكثر من مليوني سوري وتشريد 12 مليون بين نازحين ولاجئين داخل وخارج سوريا. فيما كان عام 2014 الاكثر دموية مسجلاً اكبر عدد من القتلى كاد يصل الى الـ 80 الف قتيل يليه عام 2013 بعدد اقل بقليل لتصل حصيلة عام 2016 الى ما يقارب الـ 45 الف قتيل، في الوقت الذي سُجّل في شهر آب 2016 وحدع مقتل 9 آلاف شخص.
من الرقة، من حمص، من حلب، اصبحوا كلهم ارقاماً، او صوراً على الشواطىء او تحت الركام، او مخنوقين ببراميل الغازات السامة او اجسادا هزيلة نخرها الجوع، تتداولها الصحافة العربية والعالمية ومواقع التواصل الاجتماعي متفجعة عليهم. تتفجع عليهم هم الارقام، لا مكان لهم على الصفحات الاولى طبعاً. الصفحات الاولى مخصصة لأخبار اخرى عن الحرب السورية، مؤتمرات جنيف، انتقال سلمي للسلطة، السعي الى بلورة حلول سياسية، تقارب روسي ـ تركي، هنا تكمن الاهمية بابقاء من قتل شعبه على رأس السلطة، تحوله من قاتل الى بطل، بحجة وجود جماعات ارهابية متطرفة، وهي من صنعهم واستهلاكهم، فيما المعركة المحقة يفترض ان تكون معه، مع هذا الذي يقتل بفخر شعبه، ومع من سلّم رقبة شعبه ومهمة ابادته لايران و»حزب الله» وروسيا.
في المبدأ دخل السوريون في الجولة الثالثة من المفاوضات الجارية في الآستانة والتي ترعاها الجهات الثلاث الضامنة، روسيا وتركيا وايران، والهادفة بالدرجة الاولى الى تثبيت وقف اطلاق النار على كافة الاراضي السورية، وسط اعتقاد شبه محتم بانتهائها كسابقاتها دون اي نتيجة عملية ايجابية، في ظل مقاطعة وفد المعارضة للمؤتمر الذي عاد وشارك بالامس في المؤتمر، مما سيتيح الانتقال الى المباشرة باستكمال البحث في عناوين الحل السياسي التي حددها «جنيف 4» المفترض انعقاده في 23 آذار الجاري. وفي الغضون ما زال عدّاد الموت السوري ساري المفعول، وشهدت دمشق بالامس مقتل اكثر من خمسة وثلاثين مدنياً في تفجيرين انتحاريين، اعتبر «حزب الله» ان «هذه الجريمة تأتي كرد فعل فاشل على الانتصارات الكبيرة».
ليس واضحاً عن اي «انتصارات كبيرة» يتحدث «حزب الله»، هل عن الـ1400 قتيل في ادنى تقدير الذين قضوا خلال مشاركتهم في الحرب بأمر مباشر من ايران تحقيقاً لمصالحها فقط، او عن خروجه من الحرب بأكبر اهتزاز مادي حقيقي في تاريخه، او عن قيادات صفه الاول الذين اغتيلوا او تمّت تصفيتهم بدم بارد، او عن التململ الشعبي الواضح الذي بات اكبر من ان يخفى، ولن نتكلم عن المآسي التي هبت على لبنان جراء خطواته الانفرادية فتبقى هذه من آخر اهتماماته طبعاً.
وفي ذكراها السادسة كما في يومها الاول، ليس من مناصر للثورة السورية اكثر من الناشطين اللبنانيين على مواقع التواصل الذين اطلقوا هاشتاغ «الثورة_ستنتصر» حيث اكدت لارا صقر «مخطئ من يظن ان ثورتنا ستذبل، مصير الياسمين أن يفوح ليصل عبيره بيروت! #الثورة_ستنتصر». وقال طارق ابو صالح «لانهم اختاروا الموت ولا المذلة #الثورة_ستنتصر». وبدوره اكد زهير الخلف « 6 سنوات من الحرب وإيماننا بانتصار الثورة يزيد #الثورة_ستنتصر». عبدالله سلام اكد من جهته ان « #الثورة_ستنتصر وسيسقط جميع المتسلقين عليها قادة وسياسيين وشرعيين»، لافتاً الى ان « #الثورة_ستنتصر لا خيار اساساً لنا، هو النصر واسقاط النظام لا بديل عن هذا الخيار، #الثورة_ستنتصر بشبابها ونسائها واطفالها ومعتقليها وشهدائها». واشارت ساجدة ميقاتي إلى أن «ثورة الشعب ستنتصر وستسحق المحتلين من الميليشيات اﻹيرانية و العراقية و اللبنانية الى الجيش الروس و أعوانهم #الثورة_ستنتصر». محي الدين من جهته قال « #الثورة_ستنتصر على النظام الاسدي والايراني و الروسي».