IMLebanon

إيقاع المحاكمة و«اللاإيقاع» الداخلي والإقليمي

 

تعود مجريات «المحكمة الدولية الخاصة بلبنان» إلى جادّة الاستقطاب اللبناني، بإيقاع خاص يفرض نفسه على الإيقاع، أو بالأحرى «اللاإيقاع» الداخلي. يبقى أنه من العبث تقدير ما سيدلي به النائب مروان حمادة في شهادته ابتداء من اليوم أمام المحكمة، ويفضّل انتظار الحدث نفسه، مع ترجيح أنّ هذه الشهادة الطويلة ستكون لحظة حسّاسة ومهمّة في مسيرة الوصول الى الحقيقة. ذلك أنّ التمايز الواقعيّ بالنتيجة، بين إيقاع المحكمة الدولية القانونيّ، وبين «لا إيقاع» الحياة السياسية الداخلية، لا تزال المحكمة قضية تحريكية بامتياز للرأي العام، كلّما بدت اللحظة التي تقترب منها انعطافية. 

بالتوازي، فإن «اللاإيقاع» الداخليّ، المتجسّد أساساً في تمادي الفراغ الدستوريّ، من خلال الشغور في موقع الرئاسة الأوّل، وعدم قيام المجلس النيابي بواجبه الدستوريّ الواضح في هذا المجال سواء قبل التمديد الذاتي الثاني أو بعده، قد تجاوز الآن أكثر التوقّعات تشاؤماً للمدى الزمني الذي سيبقى فيه كرسي الرئاسة شاغراً، هذا في وضع مختلف تماماً، داخلياً وإقليمياً، عن التجربة السابقة، حين آل الفراغ الدستوري الى غزوة حربية ثم الى صلح الدوحة، والمسائل تختلف اليوم، نظراً إلى التداخل بين الوضع اللبناني والحرب الأهلية المشرقية في العراق وسوريا.

في الوقت نفسه، فإنّ هذا «اللاإيقاع» الداخلي يرتبط إقليمياً بنوع جديد، وكارثيّ، من «الاستقرار» هذه المرة، يشهده المشرق العربي، وهو نجاح «نظام داعش» و»نظام بشار الأسد» في الاستقرار جغرافياً لفترة غير محددة من الزمن ضمن النطاق الذي يسيطر عليه كل منهما. فاذا كان اختزال العلاقة بين «النظامين» الأسدي و»الداعشي» الى «صانع ومصنوع» أو الى «فعل وردّ فعل» هو اختزال سطحيّ في الحالتين، إلا أن التجاور المزمن بين نظامين قائم. وكل منهما يعيش «حالة انتصار» على المجتمع الدولي: الأول، النظام الأسدي، قصف السوريين بالكيماوي ثمّ «انتصر على ترسانته الكيماوية» بتسليمها للمجتمع الدوليّ، و»انتصر على المجتمع الدولي»، بإظهار ريائه الأخلاقوي في موضوع حقوق الانسان و»محظوريّة» أسلحة الدمار الشامل. أما الثاني، «نظام داعش» فهو يعيش «حالة انتصاره» على حرب لا برّية، لا تشبه أبداً آليات تحطيم «الامارات الجهادية» في أفغانستان والصومال ومالي، وهو ما يعود أساساً الى تكرار «المجتمع الدولي» لوضعية «حمار بوريدان». حمار بوريدان هذا معضلة فلسفية: حمار على يمينه شعير ويساره ماء، ينفق لأنه لم يستطع أن يدرك اذا كانت الأولوية لعطشه أو لجوعه. كذلك حال من يكابر على «الاستقرار الكارثي» الحالي، حيث يرتبط استمرار وجود النظام الأسدي باستمرار وجود النظام «الداعشي» والعكس بالعكس.

«اللاإيقاع» اللبناني الداخلي هو بهذا المعنى امتداد لهذا الاستقرار الكارثي الحاصل في الاقليم، بين النظامين المتجاورين، «الأسدي والداعشي». في الوقت نفسه، فإن كل استقرار كارثيّ هو واقع يحرّض المتضرّرين منه الى زعزعته. أحياناً يفلحون في ذلك، وأحياناً يعيدون انتاجه. فهل ثمّة دور للبنان في هذا الشأن؟ هذا السؤال حاضر بشكل أو بآخر، في كل قضية يستشف منها إحياء ما كان يفترض أنّه بداهة البداهات: لأجل القضاء على «داعش» ينبغي أولاً إبطال وجود نظام بشار الأسد.