IMLebanon

ركوب «انتصار» الموصٍل..لا يوصٍل

من المُلاحظ أن لدى «حزب الله» إصرار دائم سواء من خلال مواقفه السياسية المُعلنة أو غير المُعلنة، على توظيف كل حدث في المنطقة لمصلحته ولمصلحة حلف «الممانعة» ككل، وغالباً ما يكون هذا التوظيف في غير محله أو مكانه الصحيح ويُعرّض أمن لبنان لخضات واهتزازات هو في غنى عنها. وآخر توظيفات الحزب، تتعلق بدحر تنظيم «داعش» الارهابي عن الموصل، وأن هذا الانتصار سوف يُغيّر أو يُحدد معالم المنطقة في المرحلة المقبلة. وهو كلام يُذكر بمقولة أن «إنتصار حلب سيُغيّر وجهة الحرب في المنطقة».

من بوابة الأزمات والأحداث المُشتعلة في المنطقة وتحديداً باب مدينة الموصل التي دُحر الارهاب عنها بفضل الشعب العراقي أوّلاً وتوحيد جهوده، وبفضل الغطاء الدولي الذي ساهم إلى حد كبير بالقضاء على «داعش» في المدينة، دخل الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله أمس، لممارسة سياسة «التنقير» على الداخل والخارج موجّهاً رسائل لا تدعو إلى الطمأنينة ولا تُبشّر بالخير خصوصاً لجهة ما يتعلق بالوضع في لبنان. في تصويبه على الخارج وتحديداً على الدول الشقيقة، رأى نصرالله أن العراقيين حسموا خيارهم في المواجهة ولم ينتظروا لا جامعة دول عربية ولا رؤساء دول عربية ولا منظمة المؤتمر الاسلامي».

أما في الداخل، فقد توعد نصرالله الجماعات الإرهابية في الجرود «للمرة الأخيرة»، من دون أن يُراعي حرمة المؤسسة العسكرية وترك الخيار لها في هذا الشأن، خصوصاً وأن الجيش يعمل على قدم وساق ومن دون كلل أو ملل، لإنهاء الحالات الشاذة سواء في عرسال أو جرودها، وهذا ما تُثبته الإنجازات اليومية التي يُحققها الجيش هناك، دون الحاجة إلى تنظير من أحد ومن دون التحصّن خلف «لعبة» الطقس، مرّة في البرد ومرّات في الحر ومواقيت أخرى كلها لها علاقة بطبيعة الطقس. ومن هنا يبدو أن ثمة نيّة للإلتفاف على إنجازات الجيش الذي قطع شوطاً كبيراً في عملية ضرب الإرهاب في الجرود واقترابه من بدء عملية تحرير المنطقة بأكملها، وذلك على غرار حديثه عن الموصل أوّل من أمس، عندما اعتبر أن «الموقف الحاسم في الموصل، جاء من قبل الجمهورية الاسلامية الايرانية وعلى رأسها الإمام الخامنئي وقدوم قيادات من الحرس الثوري الايراني إلى العراق وعرض كل الإمكانات خلال هذه المواجهة».

أمس الأوّل، نصّب نصرالله نفسه متحدثاً باسم المُسلمين في العالم ربما مُستبقاً الدور الذي ستمنحه إياه إيران مستقبلاً بعد كثرة الحديث داخل بيئة «حزب الله» وخارجها، عن اقتراب موعد تنحيته عن قيادة الحزب واستلامه منصباً «اسلامياً» جديداً، فراح يوزّع شهادات حسن سلوك على قاعدة مذهبية كرّستها ايران في المنطقة، لافتاً إلى أنه «يسجل لعلماء السنة في العراق وقيادات سنية مواقفها المشرفة في هذه المواجهة بعد أن حاول البعض أن يظهر هذه الحرب بين السنة والشيعة من أجل الفتنة والتي عطلها هو الموقف الصادق والشجاع لعلماء السنة والقيادات السنية». مع العلم، أنه ومن خلال العودة إلى فترة زمنية قريبة، يُمكن الكشف عن المخطط المذهبي الإيراني الإجرامي الذي مارسه «الحشد الشعبي» في العديد من المدن العراقية بحق أهل السنّة وعمليات الاعدام التي ارتكبها بحق الأهالي في «ديالى» و»الأنبار» و»صلاح الدين» و»الفلوجة» و»الموصل»، وغيرها الكثير من المدن والبلدات العراقية، وذلك على غرار المجازر التي تم ارتكابها على يد «الممانعة»، في بلدات سورية، منها: «الزبداني» و»مضايا» والقلمون»، وبلدات أخرى في إدلب وحلب واليوم في درعا. وبعد هذا التعداد لجرائم وارتكابات «الحشد» في العراق، أطل نصرالله ليقول أن «الحشد الشعبي هو حشد وطني».

استجرار لبنان إلى محور «الممانعة» وارتكاباته والمخطط التوسعي في المنطقة الذي يسير عليه تحت حراسة العين الإيرانية، هو أمر ثابت في منظومة «حزب الله» السياسية والأيديولوجية القائمة على فكرة الولاء المُطلق لشخص «الولي الفقيه» وكل الفتاوى التي تصدر عن هذه المرجعية وعلى وجه الخصوص ما يتعلق بالرؤية القائمة حول تحقيق مشروع «الهلال الفارسي». ومن هذه النقطة تحديداً، عبّر نصرالله عن نظرته المستقبلية للأوضاع في المنطقة وطبعاً من خلال النظرة الإيرانية، ومن خلالها عبر إلى إعادة التأكيد على المشروع الفارسي في المنطقة وذلك بقوله أن «اليوم العراق وسوريا ولبنان وشعوب المنطقة أمام فرصة تاريخية. والذي أمّن هذه الفرصة هو تضحيات العراقيين والسوريين وكل من وقف إلى جانبهم».

وقبل أن يختم نصرالله حديثه، عاد ليعزف مجدداً على وتر النازحين السوريين ودعوته إلى حل هذه المسألة. لكن الحل لدى نصرالله، لم يخرج إلا من جعبة النظام السوري الذي يسعى إلى تحسين صورته أمام الرأي العام وشعبه النازح، فلم يجد غير الحكومة اللبنانية ليستمد الشرعية هذه من خلال التعاون معها وتوسيع التعاون والاتصالات لتشمل في وقت لاحق ربما، تعاوناً عسكرياً كمقدمة أو ربما شرط، لحل قضية النازحين. علماً أن النظام و»حزب الله»، يعرفون مُسبقاً قرار الحكومة اللبنانية في هذا الشأن، وهو أن هناك العديد من الطرق لإنهاء هذا الملف، من دون تعويم نظام مُجرم له في رقاب السوريين واللبنانيين، بؤر وبحيرات من الدماء. وهنا يذهب نصرالله إلى تبرئة ساحة هذا النظام بقوله: «البعض قال إن الاتصال بالحكومة اللبنانية يعني أنه يعطي شرعية للحكومة السورية وللنظام في سورية، يعني هذا كلام لا يقدم ولا يؤخر وهذا ليس صحيحاً. النظام في سورية الحكومة في سورية لها سفارات في كل انحاء العالم وأغلبهم يتفاوض معهم بالسر وبالعلن».

وفي مسألة سيادة الدولة ورهان اللبنانيين على تكريسها من قبل المؤسسات الرسمية في الدولة بشكل غير مُجتزأ، يقول نصرالله حول الجماعات الإرهابية المتواجدة في الجرود: «آمل أن يتم استغلال الفرصة المتاحة والا فنحن أمام الكلام الاخير والوضع الاخير الذي يجب أن نصل إليه ولا يبقى حينئذ أي وجود مسلح على الاراضي اللبنانية وعندها يمكن للدولة اللبنانية أن تبسط سيطرتها على الاراضي اللبنانية». لكنه لم يُخبر اللبنانيين، ما إذا كانت الدولة ستبسط سيادتها على كافة الأراضي وخصوصاً «الدويلات»، أم أن الوضع القائم سيبقى على حاله مع فوضى السلاح والقتل المجاني؟