في النتيجة القضاة هم بشر من لحم ودم… وهم بحاجة الى ما يمكنهم من مواجهة تكاليف الحياة بما يحفظ كراماتهم ويصون حرمة الموقع الذي يحتله كل منهم…
فالقوانين والأعراف أعطت القضاة، في العالم كلّه مكانة نوعية لافتة، مميّزة، يفترض أنها تعزّز المهابة، وتحمي الصدقية المفترض أن تكون صفة ملازمة للقاضي.
لذلك لم يكن حدثاً بسيطاً أن يعتكف قضاة لبنان كما فعلوا أمس، وكما سيواصلون ابتداء من اليوم… إنه (عملياً) إضراب قضائي موصوف وإن بتسمية «إعتكاف». فالنتيجة واحدة: أي التمنع عن القيام بالعمل. ولم نقل بـ«الوظيفة» لأن القضاة يرفضون تسمية «موظف» باعتبار أنهم أصحاب «سلطة» هي بموجب ما نعرفه في لبنان السلطة الثالثة بعد السلطتين الأولى والثانية: السلطة التشريعية (مجلس النواب) والسلطة الإجرائية – التنفيذية (مجلس الوزراء).
واضح من بيان الإعتكاف أنّ مجلس القضاء الأعلى إنطلق في قراره من مشروع سلسلة الرتب والرواتب، وقد اعتبر القضاة أنفسهم مغبونين مرّتين: مرة «لتكرار عدم الأخذ برأيه» في شأن القوانين المتعلقة بالقضاء، والمرة الثانية لجهة «وجوب عدم المساس بالمفترضات اللازمة لنهوض السلطة بدورها».
وهذا جميل في المطلق، وفي التفصيل أيضاً. ونحن نعرف، كما يعرف كثيرون أنّ القضاة يجب أن تكون «إمكاناتهم» الحياتية متوافرة بشكل مطلق.. ولا نطالب بالتشبه ببعض الدول حيث لا مرتب أو تعويض محدّداً ومحدوداً للقاضي، إنما يأخذ من «الصندوق» ما يلزمه لتوفير الحياة الكريمة له ولأسرته… إنما نقول بتوافر مرتب للقاضي يعفيه من الحاجة ويقيم سداً بينه وبين المغريات.
ولكن، في المقابل، يتطلع اللبنانيون الى سلطة قضائية تحقق لهم عدالة في الأحكام، وأيضاً سرعة في الأحكام، ومعايير يمكن إختيار القضاة على أساسها… فنحن بلد عرف قامات قضائية عالية لا تزال أحكامها (التي أصدرتها «بإسم الشعب اللبناني») تروى حكايا مجد واعتزاز في قصر العدل… والقضاة الذين يريدون تعزيز «سلطتهم» هل ينظرون جميعاً الى الموقع على أنه سلطة مصونه، أو أن هناك من يريدونه تكية لمكاسب ومنافع ووجاهات واجتماعيات؟!
ذات زمن جاءتني الى مكاتب الجريدة سيدة لعوب عرّفت عن نفسها بأنها القاضية فلانة الفلاني… فاقتعدت كرسياً في جلوس غير محتشم، وكانت تريد أن تعترض على موضوع تناولها (قبيل أن تدخل السلك القضائي) وكانت الصور جريئة في مجلة «نادين»… فسألتها هل أجبرك أحد على التموضع أمام المصور كما تموضعت؟ فنفت. ثم سألتها: هل أكرهك أحد على قول ما قلتِ ونشر بحرفيته الموثقة في نص مسجّل؟.. فنفت… فلماذا تحتجين؟!. أما جوابها فكان شتائم سوقية وتهديداً من نوع: بدي جيب قنبلة وفجرّها بهالجريدة وبمكاتب المجلة كمان.
وأمام هذا التصرف وجدتني أقول لها: أولاً إحترمي حالك واعتدلي في جلستك.. ثمّ لملمي نفسك وغادري! علماً أن صورك في الجريدة لم تكن أبعد مما تظهرين به الآن!
ألم نتحدث، أعلاه عن المعايير؟!.