Site icon IMLebanon

حقوق المسيحيين وتفاهم «معراب»

 

منذ أن تمخّض اللقاء الشهير في «معراب» عن «ورقـة تفاهم» لا «ورقـة إتفاق» قلْـنا: إن الأمر يحتمل الشكوك، لأن التفاهم في القاموس يعني تفهُّمَ شيءٍ بعد الشيء، فيما الإتفاق يعني التقارب والإتحاد.

وفي معزل عن القاموس الذي لم يعد مرجعاً للّغـة، فقد سلَّمنا بقاموس «ورقة معراب» وبما يشبه الإكراه الطوعي، بـأنّ المسيحيين أصبحوا خارج التاريخ، ولم يبـقَ منهم إلاّ الحزبان الأكبران: التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية، وكلُّ مَنْ عداهما لا يستطيع تثبيت مسيحيَّته، إلاّ إذا تلقّى على أيديهما سرَّ المعمودية: المعمودية الدينية والمعمودية السياسية.

وهذا يعني بحسب «السرّ الكهنوتي»، أنَّ هذين الحزبين عندما تتأمن لهما مكاسب حقوقية، يكون المسيحيون جميعاً قد نالوا حقوقهم في لبنان وسائر المشرق.

ولكن، تبيّن بالتجربة الدامغة أن حقوق المسيحيين ما هي إلاّ سلعة تجارية في سوق التنازع على المكاسب والحصص ، وهي رهينة استفراد أحد هذين الحزبين بها على حساب الآخر، وما أدراك.. ! إذا ما اشتـدَّت حرارة الإيمان بحقوق المسيحيين وارتفعت ترانيم أغنية «أوعا خيَّك»، فقد يؤدي النزاع حول الخلافة بين الأمين وأخيه المأمون الى تدمير بغداد بالمنجنيق.

مسلسل القرائن طويل، فما أنْ رُفِعَتْ كؤوس الشمبانيا في معراب باسم «ورقة التفاهم»، حتى راحت الكؤوس المرّة تُـتْرع في تناقض المواقف وحدّة المواجهات وشهوة التعيينات والتشكيلات، وكان ما كان من تصريحات أبرزها: على لسان الوزير ملحم رياشي «بأن الخلاف بيننا وبين التيار الوطني الحـر على أسلوب السلطة والحكم.. «وفي المفاضلة بين الدكتور سمير جعجع والنائب محمد رعـد، اختار النائب آلان عـون في لقاء تلفزيوني محمد رعـد..» والسلسلة تطول.

حقوق المسيحيين أيها السادة، التي انتُهكتْ بواسطة حروب الإلغاء الساخنة، لا تتأمن بحروب الإلغاء الباردة، ولا بالنزاعات الجانبية وتسخير القانون للإنقضاض على الفريسة والإستئثار بالحصص، ولا تزدهر هذه الحقوق بقانون انتخابات يستجمع المسيحيين خلف متاريس مذهبية في مقابل متاريس مذهبية مواجهة، ولا ينتصر النفوذ المسيحي بالمزايدة وسياسية رفع الصلبان، فالترويج المذهبي رهانٌ خاسر للمسيحيين لإنهم يشكلون المذهب الأضعف وقد يزداد ضعفاً مع الزمن الآتي.

حقوق المسيحيين تتأمن بسياسة الإندماج الوطني وتعميق أواصر الوحدة الوطنية، وعدم حصرها في إطار حزبين احتكاريًّـين، بل باستنهاض الطاقات المسيحية والنُخَب، وإعادة الإنتشار المسيحي في سائر المناطق اللبنانية المتآلفة بما يضمن حضورهم السياسي والوطني ووجودهم التاريخي.

القيادات التاريخية أيها السادة تستخلص من الحاضر عِبَراً وتوظِّف فُرَص الحاضر لبناء المستقبل البعيد، ها هو القسّ الأميركي الزنجي مارتين لوثركنغ وقد ناضل طويلاً دفاعاً عن حقوق السود، فكان لثورته مدىً زمني بعيد أدّى الى وصول رئيس أسود الى رئاسة الولايات المتحدة الأميركية… «باراك أوباما».

فتشبَّهوا بالزنوج إن لم تكونوا مثلهم.

• ملاحظة: قرأنا أن هناك مساعي حثيثة قد أَحرزت تقدماً للإتفاق بين تيار المـردة والقوات اللبنانية، على غـرار الإتفاق الـذي وُقِّـع بين القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر.

نعم.. إتفقوا حيثما شئتم وأينما شئتم وكيفما شئتم، ولكن بربِّكم، لا تـتّفقوا على غرار التفاهم الذي تـمّ في معراب.
سلامة فهمكم.