IMLebanon

صعود الميليشيات الإيرانية والحيرة الأميركية

 

ستكون السنة 2018 حبلى بالأحداث الكبيرة. من أحبّ 2017 سيعشق 2018، تماماً مثلما أنّ من احبّ 2016 وقع في عشق 2017. يسير الوضع الإقليمي من سيّئ إلى أسوأ. كيف تستطيع كلّ دولة عربية حماية نفسها بات أبرز التحديات التي تواجه رغبة قوى إقليمية ودولية عدّة في إعادة النظر في خريطة سايكس – بيكو.

بعيداً عن التكهنات التي لا تستند إلى الواقع، ستكون 2018، فصلاً آخر في المواجهة ذات الطابع المذهبي التي بدأت في المنطقة في العام 2003عندما بدأ الزلزال العراقي الذي لا تزال أصداء تردداته تتفاعل إلى اليوم.هناك دول تفتت ولن تقوم لها قيامة. هذا ما كشفته السنة 2017 وهذا ما ستؤكّده 2018. من يتصور أن العراق ستقوم له قيامة في يوم من الأيّام كدولة عربية مستقلّة لعبت دورها في تأسيس جامعة الدول العربية؟

من يستطيع التكهنّ بمصير سوريا التي تعيش في ظل خمسة احتلالات وفي ظلّ الإصرار الإيراني على إيجاد موطئ قدم دائم فيها؟

من لا يزال يعتقد أن لليمن الموحّد مستقبلاً ما باستثناء الحاجة إلى بضع سنوات كي ترسم بالدم والنار حدود الكيانات أو الدول التي ستلد من رحم سقوط نظام مركزي بقي حتّى العام 2011 يدير شؤون البلد كلّه انطلاقاً من مدينة صنعاء. كان علي عبدالله صالح الذي اغتاله الحوثيون في منزله أوّل رئيس لليمن الموحد وآخر رئيس له.

على الرغم من مرور أقل بخمسة عشر عاماً بقليل على تقديم الولايات المتحدة العراق على صحن من فضّة إلى إيران، لا يزال الشرق الأوسط وكلّ المنطقة المحيطة به في حال من اللاتوازن انعكست على مصير كلّ دولة من دولها. استغلّت إيران الزلزال العراقي الذي تسبب به الغزو الأميركي من أجل السير بخطى سريعة في اتجاه تنفيذ مشروعها التوسّعي الذي يقوم على الاستثمار في إثارة الغرائز المذهبية وصولاً إلى تشكيل ميليشيات خاصة بها تعمل في أرجاء المنطقة من دون حسيب أو رقيب.

إذا كان من عنوان عريض ميّز 2017، فهذا العنوان هو صعود دور الميليشيات الإيرانية في ظلّ سياسة أميركية محيرة كان آخر تعبير عنها موقف الرئيس دونالد ترامب من القدس. هناك استخدام إيراني فعّال للميليشيات المذهبية وتكريس لدور هذه الميليشيات في بلدان مثل العراق وسوريا ولبنان واليمن. لم يعد «حزب الله» مجرّد لاعب في لبنان بصفة كونه لواء في «الحرس الثوري» الإيراني. صار لاعباً إقليمياً بعدما صارت له فروع في العراق وسوريا واليمن. هناك طموح إيراني واضح كي تغطي تجربة الميليشيا المذهبية التي تحلّ مكان الدولة ومؤسساتها كلّ بلد عربي مع تركيز خاص على البحرين حيث لا تزال هناك دولة ومؤسسات وطنية.

لعلّ أخطر ما في الأمر أن التوسّع الإيراني، الذي تُعبّر عنه الميليشيات المذهبية التي باتت جزءاً لا يتجزّأ من التركيبة التي تطمح إيران في فرضها على المنطقة، يواجه بميوعة أميركية، في جوّ تكتنفه الحيرة. ليس من يستطيع القول في الراهن ما الذي تريده الإدارة الأميركية وأيّ دور تنوي لعبه.

باستثناء الوجود العسكري الأميركي القوي والواسع في الشمال السوري الذي ليس معروفاً كيف ستوظّفه الإدارة الأميركية في المستقبل المنظور، هناك موقف أميركي محيّر من كلّ ما له علاقة بنشاط الميليشيات الإيرانية.

على الرغم من القمم الثلاث ذات الطابع الاستثنائي التي انعقدت في الرياض وشارك فيها الرئيس دونالد ترامب، وعلى الرغم من خطابه الشامل الذي عرض فيه بدقة ليس بعدها دقّة للنشاط التخريبي لإيران في المنطقة، منذ العام 1979، ليس ما يشير إلى اليوم إلى رغبة حقيقية في التصدّي لإيران. ليس كافياً نشر تقارير عن تواطؤ إدارة أوباما مع إيران وتغطيتها لنشاطات «حزب الله» كي يمكن القول إن هناك تغييراً أميركياً على أرض الواقع. هل يتبلور هذا التغيير في 2018؟ ذلك هو السؤال الكبير الذي يطرح نفسه في وقت بدأت واشنطن، ومعها العواصم الأوروبية، على رأسها باريس، تعي أهمّية الفصل بين الملف النووي الإيراني والاتفاق الذي تمّ التوصل إليه صيف العام 2015 من جهة والصواريخ الإيرانية من جهة أخرى.

لم تكن السنة 2017 عادية بأي مقياس من المقاييس، خصوصاً مع القضاء على «داعش» في معظم أنحاء العراق وبدء تراجعه في سوريا. اللافت أن إيران استغلّت الانتصارات على «داعش» للإعلان عن أنّها شريك في الحرب على الإرهاب، في حين اعتبرت روسيا أنّه بات في استطاعتها التصرّف من منطلق أنّها الطرف القادر على التحكّم وحده بمصير سوريا وتحديد مستقبلها وتوزيع الحصص فيها على هذا الطرف أو ذاك، بما في ذلك إيران وتركيا.

إلى متى يظل الغياب الأميركي الذي ادّى إلى حال إرباك على الصعيد الإقليمي؟ تجلّى الإرباك في قيام نوع من التحالف بين روسيا وتركيا وإيران وإلى تقارب روسي – مصري وإلى جسور بين دول الخليج، على رأسها السعودية والإمارات من جهة وروسيا من جهة أخرى.

ليس أمام كلّ دولة تريد المحافظة على مصالحها وعلى ومصالح شعبها سوى أن تأخذ في الاعتبار أن عليها سد الثغرات الداخلية. هذا ما يفسّر ذلك الإصرار السعودي بقيادة الملك سلمان ووليّ العهد الأمير محمد بن سلمان على الذهاب إلى النهاية في إصلاحات داخلية، التي تشبه ثورة حقيقية أكثر من أيّ شيء آخر، مع التنبّه في الوقت ذاته إلى أنّ الأحداث في المنطقة وطبيعة التحديات الجديدة تفرض نوعاً جديداً من التماسك والعلاقات السليمة داخل مجلس التعاون لدول الخليج العربية. تنبهت الكويت إلى هذا الأمر ونجحت في المحافظة على صيغة مجلس التعاون على الرغم من الأزمة القائمة مع قطر. استضافت القمة الخليجية بعد جهود مضنية لأمير الدولة الشيخ صُباح الأحمد. أي مستقبل لمجلس التعاون في ظل الأزمة المستمرّة مع قطر؟

لا شكّ أن 2018 ستكون سنة مفصلية يتحدد من خلالها هل من مستقبل لمجلس تجاوز عمره الـ36 عاماً.

كانت 2017 سنة النكسة الكردية. لم يكن رهان رئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني على الاستفتاء في شأن الاستقلال خياراً موفقاً، خصوصاً في ظلّ الاعتراض الأميركي عليه. كشف هذا الاستفتاء وجود حلف تركي – إيراني ضدّ الأكراد وسمح للحكومة المركزية في بغداد، التي صارت تحت رحمة «الحشد الشعبي» بصفة كونه من مكونات العراق الجديد، بالاستقواء على الأكراد الذين وجدوا أنفسهم منقسمين في ما بينهم أكثر من أيّ وقت.

انعقدت القمّة العربية في البحر الميّت وكانت ناجحة من الناحية النظرية بفضل الجهود التي بذلها الملك عبدالله الثاني. لكنّ الأردن وجد نفسه في وضع لا يُحسد عليه بسبب الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها وبسبب مجموعة من التحديات. زاد من التحديات الإصرار الإسرائيلي على بقاء الاحتلال للضفة الغربية وسياسة عامة لبنيامين نتنياهو تقوم على ترك سوريا تتفتت أكثر بفضل بقاء بشّار الأسد في دمشق وانتشار الميليشيات الإيرانية وتعزيز دورها في هلهلة نسيج المجتمع السوري.

نقاط مضيئة قليلة في 2017. هناك في شمال أفريقيا بلد عربي يعرف أهمّية المحافظة على مصالح شعبه اسمه المملكة المغربية التي حققت نجاحاً تلو النجاح على صعيد العودة لاعباً فاعلاً في أفريقيا. وهناك بداية مصالحة فلسطينية لعبت مصر دوراً في تحقيقها، لكنّها بقيت مجرّد بداية في غياب قدرة «حماس» على الاعتراف بفشل مشروع «إمارة غزّة» الذي عاش عشر سنوات. ما يقلق بالفعل هو أحوال الجزائر التي دخلت حال إفلاس سياسي واقتصادي في ظلّ رئيس مريض لا يريد الاعتراف بذلك.

خلاصة الأمر أن الغياب الأميركي الذي توّج بموقف سلبي من القدس يوحي بأن 2018 ستشهد مزيداً من الصعود لدور الميليشيات الإيرانية في المنطقة في ظلّ الحيرة التي تهيمن على مواقف إدارة ترامب. لم يكن اغتيال على عبدالله صالح في صنعاء سوى دليل آخر على الرغبة الإيرانية في الذهاب بعيداً في تعزيز دور ميليشياتها حيث استطاعت ذلك.