لم يتوقف البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي عن التحذير، من سعي بعض الاطراف اللبنانيين الى مؤتمر تأسيسي، القصد منه اعادة النظر بحكم البلد والميثاق الوطني، وقد كرر في الاونة الاخيرة هذا التحذير في لقاءاته الداخلية والخارجية، قناعة منه بأن الاتجاه الى ميثاق وطني جديد سيكون لضرب صيغة الوحدة الوطنية التي لا مجال للعب فيها بمعزل عن التوجه الى ما يعزز اواصر الميثاق القائم من لحظة استقلال البلاد عن الانتداب الفرنسي بما في ذلك الخلاص من الاحتلال السوري عملا باتفاق الطائف الذي ارتضاه اللبنانيون مخرجا لهم من الحرب الداخلية التي كادت تقصم ظهر البلد بما في ذلك تمزيق اوصاله؟!
واللافت في هذا الخصوص، ان الكنيسة المارونية اخذت في الاعتبار ضرب صيغة الوحدة الوطنية، جراء توجه البعض للخروج على الدولة من ضمن ارتباطات خارجية يستحيل الاخذ بها من غير النظر الى وحدة الصف الوطني، وهذا ما يراه الجميع من ضمن انعدام الثقة بين بعض اركان الطوائف ممن يتأثرون بالمتغيرات الاقليمية والدولية، فضلا عما حصل اخيرا من تطورات تركت بصماتها على المجريات الاثنية والمذهبية في اكثر من دولة عربية لم تعد تعرف ما يستهدفها من مؤامرات علي مصيرها ووجودها وعلاقة شعوبها ببعضهم البعض!
ما يقال في هذا السياق، ينطبق على ما هو قائم في كل من سوريا والعراق واليمن وليبيا التي تكاد تتمزق في حروب داخلية بعد الذي تردد عن «مصير ربيعها السياسي» الذي يكاد يصبح خريفا متواصلا من شأن استمراره تفتيت هذه الدولة او تلك، اضافة الى الثورات لم يعد بقدرة احد التحكم بها جراء النزف البشري والسياسي الذي يضربها منذ سنين طويلة، والمقصود هنا تحديدا سوريا والعراق اللتين لم يعد من مجال لاعادة ضبط اداء الدولة فيهما، فضلا عن خروج النظام فيهما الى حد تشريع القتل والدمار جراء سيطرة التنظيمات الدينية والمذهبية على مجريات الحكم والثورة المتعددة الرؤوس والتوجهات!
وتجدر الاشارة هنا الى نوع من التسيب مرشح لان يحصل في لبنان بفعل تسيب السلطة وعدم قدرة مجلس النواب على انتخاب رئيس جمهورية منذ شهور طويلة، فيما لن يكون بوسع مجلس الوزراء حكم البلد بالنيابة نظرا للتباينات السائدة الامر الذي يعني ان ثمة نية، بل اكثر من نية لدى البعض، لعدم انتخاب رئيس للجمهورية لمجرد ان ذلك يخدم مصالحه في لعب ورقة عدم تماسك الحكم، بعدما تحول كل وزير الى «شقفة رئيس» تضطره الظروف لان يوقع على ما ليس في وسعه التحكم فيه، حيث تحولت جلسات مجلس الوزراء الى «ساحة توقيع على ما يتفق عليه، بل ساعة توتير على ما ليس بوسع الوزراء تمريره من قرارات تصب في المصلحة العامة»!
هذا المشهد يشير ضمنا الى ان الدولة مرشحة لان تفقد اصول الحكم فيها، طالما ان قرار السلم والحرب في غير يدها، والمقصود هنا وجود سلاح لبناني غير شرعي في يد حزب الله يتصرف من خلاله على ما يرضي مصالح الحزب في الداخل والخارج، لاسيما ان وجود قوى لحزب الله في سوريا يعني احد امرين: اما ترك التحكم بقرار الحزب بيد حلفائه في ايران، واما انغماس الحزب في حرب لا يملك قرارها، ما يسمح بالقول ان الدولة لم تعد دولة بقدر ما فقدت قرار التحكم بسلاحها وبسيادتها على ارضها!
وفي عودة الى تحذيرات البطريرك الماروني، فان الغاية منها افهام من لم يفهم بعد ان الخسارة لن تقتصر فقط على جهة لبنانية من دون اخرى، ما يسمح بتكرار معزوفة «اللعب على المصالح»، الذي يحسب في هذا الاتجاه او ذلك لمجرد انه لا يرضي جميع اللبنانيين، ممن يعرفون او لا يعرفون ان اللعب بالميثاق الوطني لا بد وان يصب في غير المصلحة اللبنانية، بل في مصلحة العدو الاسرائيلي الذي يعمق في مختلف الاتجاهات ليبقى قرار المنطقة بيده وفي مصلحته وضد مصالح العرب قاطبة!
الذين يعرفون هذه الحقيقة لا يقلون خطرا عن سواهم طالما ان النتيجة السياسية والوطنية ستكون بالنسبة الى جميع اللبنانيين اهتزازاً في اوضاعهم الداخلية، بدليل عدم قدرتهم على مواجهة خرق صغير من النوع القائم في عرسال حيث سقطت الدولة في ممارسة دورها الوطني، اقله لان سلاح حزب الله قد اثر مباشرة على الامن على الحدود الشرقية – الشمالية التي تكاد تشبه ما هو قائم من صراعات مصيرية في كل من سوريا والعراق من غير حاجة الى تحديد ما هو مرجو للانتهاء من مثل هكذا محنة امنية – سياسية بالغة الخطورة؟!