من حق رئيس مجلس النواب نبيه بري ان يطالب بأبوة الحوار الذي كان السبّاق الى طرحه والعمل على تنفيذه ورعايته، وقد تكون طاولة الحوار الاولى والادسم والاغنى في المواضيع التي تصدّت لها وأخذت بشأنها قرارات بالاجماع، ولكن الخلافات بين الافرقاء، وعودة الاغتيالات التي طالت رموزا في قوى 14 آذار واندلاع حرب تموز واجتياح بيروت وبعض الجبل، عطّلت كل ما تم الاتفاق عليه وانقطع التواصل بين قوى 8 و14 آذار الى حين انتخاب العماد ميشال سليمان رئيسا للجمهورية الذي وضع نصب عينيه هدفا رئيسا هو اعادة احياء الحوار من حيث انتهى وتوسيع دائرة المتحاورين لاشراك الجميع في القرارات الانقاذية. لكن الاختلاف في المواقف حول سلاح حزب الله. او ما عرف بالاستراتيجية الوطنية للدفاع عن لبنان، كان سبباً في تأجيل عقد جلسات الحوار مرة ومرتين وثلاثا دون ان يلقى طرح الرئيس سليمان المتوازن في الحفاظ على مصلحة الدولة وسيادتها وهيبتها من جهة، والافادة من سلاح المقاومة ضد اي اعتداء على لبنان من جهة ثانية، واكتفى المتحاورون في اخر جلسة لهم بالموافقة على اعلان بعبدا، الذي يتضمن تحييد لبنان صراعات المنطقة، لكن سرعان ما انقلب عليه المحاورون من قوى 8 آذار، وفتحوا النار على الرئىس سليمان لانه جعل الاعلان وثيقة رسمية معترف بها لدى المحافل الدولية المعنية ولدى جميع دول العالم تقريبا، وكان هدفه وما يزال حماية لبنان من رياح الخارج الساخنة وخصوصا تلك التي تهبّ من سوريا، وحماية قدرات المقاومة لاستخدامها برعاية الدولة في مواجهة اي عدوان اسرائيلي وارهابي على لبنان، ومع الاسف انتهت ولاية الرئيس الوطني الآدمي، وبدأت تلفح لبنان نيران الارهاب والتكفير في حدود لبنان الشرقية والشمالية، وتصاعد وتيرة التهديدات الاسرائىلية من حدودنا الجنوبية، ومنصب رئاسة الجمهورية فارغ، والحكومة الميقاتية مستقيلة والبلد في ثلاث أزمات مميتة… سياسية وأمنية واقتصادية.
***
التوصل الى حكومة الرئىس تمام سلام بعد مخاض طويل وعسير كان «تنفيسة» ضرورية لتخفيف الاحتقان المخيف بين السنة والشيعة، بالدرجة الاولى وبين قوى 8 و14 آذار.
وكان لا بد بعد تعطيل انتخاب رئيس للجمهورية وجمود الوضع الاقتصادي وتهديد التنظيمات الارهابية التكفيرية للقرى اللبنانية الحدودية الآمنة، ان يفكر عراب الحوار الاول الرئيس بري بخطوات تمهيدية لجمع تيار المستقبل وحزب الله، ونجح بذلك وبدأ الحوار بين الطرفين، فامتدت عدواه سريعا الى الطرف المسيحي الجناح الثاني الذي يطير به لبنان. وبدأ القطبان الاقويان على الساحة المسيحية العماد ميشال عون والدكتور سمير جعجع يشعران بأهمية التقائهما وحتميته لتستقيم الامور مسيحيا ووطنيا في محاولة التوصل الى حل لكل ما يعوق التفاهم بين الاحزاب والقيادات والشخصيات المسيحية وفي مقدمها موضوع رئاسة الجمهورية ولا يمكن الحكم الآن او الاستنتاج حول نسب النجاح او الفشل قبل لقاء الرجلين ومعرفة جدول اعمالهما، ولكن اللقاء بحدّ ذاته مهم جدا وايجابي جدا ومن شأنه ان ينعكس ارتياحا لدى القواعد الشعبية للطرفين وللعائلات المسيحية التي تعاني انقساما حادا داخلها بين مؤيدين للقوات اللبنانية وآخرين مؤيدين للتيار الوطني، وكما ان الحوار بين المستقبل وحزب الله، يتعرض للتشويش من قبل المتضررين منه كذلك الامر فإن المتضررين من التقارب القواتي – الوطني الحر، بدأوا منذ الاعلان عنه بحملة تشويه وتشويش وبث الاحباط لدى الناس او القيام بمحاولات لفتح ملفات قديمة وتلفيق تصريحات ومواقف بقصد ان يتمّ الردّ عليها وزرع الخلاف مجددا في مجتمع عانى منه منذ حوالى 30 سنة.
الحوار شجاعة ووطنية وليس ضعفا وعمالة والاقوياء وحدهم يسلكون طريق الحوار.