معركة حلب تقترب من النهاية على الأرض، وسط تقديم الاعتبارات الجيوسياسية على الكارثة الانسانية. ولا شيء يوحي ان ساعة الأجوبة الحاسمة تقترب من انهاء ما تطرحه الأسئلة الحائرة في الداخل والخارج. فما تسميه دمشق توحيد حلب، يحذر وزير الخارجية الفرنسي جان مارك ايرولت من أن يكون فصلا في سيناريو تقسيم البلد بين سوريا المفيدة وداعشستان. وما هو في خطاب المرشد الأعلى علي خامنئي دفاع عن طهران، وفي خطاب حزب الله حماية للبنان، هو بالنسبة الى المعارضة احتلال لسوريا. وما ترى موسكو في ممارساتها قمة العمل العسكري للتوصل الى تسوية سياسية، تتخوف واشنطن من أن يكون بالنسبة الى دمشق وطهران قمة العمل العسكري لتجنّب الحلّ السياسي.
لكن الكل يعرف ويعترف بأن نهاية معركة حلب ليست نهاية لحرب سوريا. فضلا عن ان تطورات الحرب لن تحجب أزمة سوريا السابقة للحرب والتي صارت أشدّ خطورة بفعل الحرب. فلا سوريا، بكل تاريخها وتراثها وأهميتها كبلد عربي مركزي في الشرق الأوسط، هي مجرد حقل صيد مفتوح لاصطياد الارهابيين الآتين من أكثر من مئة بلد. ولا القضاء عسكريا وأمنيا على داعش وخلافته وجبهة النصرة وامارتها ينهي الأزمة والحرب في سوريا وعليها.
ذلك ان الرئيس فلاديمير بوتين حقق بالانخراط العسكري المباشر أهدافا لبلاده في سوريا وأهدافا اقليمية ودولية من خلال دوره في سوريا. والمعادلة، كما تبدو في المشهد حاليا، هي العودة الى الوجود الروسي الدائم في الشرق الأوسط، والتكيّف مع الانسحاب الأميركي الموقت أو الجزئي. وهي معادلة قادت اليها مغامرة بوتين الجريئة وعقيدة الرئيس باراك أوباما الإنكفائية عن الشرق الأوسط في اتجاه المحور في الشرق الأقصى. ولا أحد يستطيع أن يجزم، برغم الغزل بين الرئيس المنتخب دونالد ترامب وبوتين، ما ان كانت المعادلة مرشحة للتكريس أو للتعديل والتبديل في ادارة رجل يصعب التكهن بما يقوله ويفعله.
لكن بوتين الذي وقّع مؤخرا عقيدة السياسة الخارجية الروسية، قال ان بلاده تحتاج الى أصدقاء وليست ساعية لأن يكون لها أعداء. وأعلن الاستعداد لتعاون واسع مع الادارة الأميركية يعود بالمنفعة على البلدين ويكون منصفا. ولم ينس التذكير بدعوته الى انشاء تحالف دولي واسع ضد الارهاب، والحاجة الى تسوية سياسية تضمن وحدة أراضي سوريا واستقلالها. والمعنى البسيط لذلك ان الانتصار العسكري في حلب المدمّرة يحتاج الى تسوية سياسية بمشاركة أميركا وأوروبا والمؤسسات الدولية، أقله من أجل اعادة الاعمار حيث التكاليف هائلة وفوق قدرة روسيا وايران.
والسؤال الكبير هو: أي طريق الى أية سوريا بعد معركة حلب؟