Site icon IMLebanon

خفايا الطريق الى «سيدر»: القصة الكاملة

 

لم يعد خافياً بالنسبة الى المطلعين على ما دار في كواليس الإعداد لمؤتمر سيدر، أنّ هناك مجموعة معطيات وأهداف محدّدة تقف وراء كل ما سيحصل يوم 6 نيسان في سيدر، وتوجّه الخلفيات الحقيقية له.

هذه المعطيات والأهداف تتمثل في التالي:

أولاً – لدى باريس أهدافها الخاصة من هذا المؤتمر، التي لا ترتبط اولوياتها بالضرورة بهدف نجاحه بتقديم مساعدات مالية للبنان، بل تعتبر باريس أنّ مجرد إنعقاد سيدر يحقق في ظروف طموحات فرنسا الدولية الراهنة، إنجازاً مطلوباً لدبلوماسيتها الذاهبة في عهد الرئيس ايمانويل ماكرون الى استعادة حيويتها الخارجية والمشرقية العربية.

أما هدف نجاح سيدر في تقديم مساعدات للبنان من عدمه، فهو أمر تتحمّل مسؤولية النجاح في تحقيقه أم الفشل، بيروت وحدها، مع التشديد على أنّ إمكانية النجاح مرتبطة حصراً بمدى قدرة الدولة اللبنانية على إقناع المجتمع الدولي بأنّ حكومة لبنان ستلبّي شروطه وأبرزها إعتماد إصلاحات هيكلية وعلى رأسها إصلاح قطاعي الكهرباء والماء وكيفية تشغيلهما، وتنفيذ «إجراءات مقنعة» لتخفيض العجز في بنود الإنفاق والدخل، واساس الإمتحان بهذا الخصوص يظهره مشروع موازنة 2018.

وضمن هذه الجزئية، يمكن الجزم بأنّ باريس لم تعد لبنان خلال التنسيق معه على التحضير لمؤتمر سيدر بالمن والسلوى، ولم تخف على بيروت إحتمال أن تكون حصيلة ما سيقدّمه المؤتمر من دعم مالي للبنان هو صفر دولار.

ثانياً – لقد مرّت نقاشات التحضير لسيدر، بعمليات «شدّ حبال» حتى داخل باريس ذاتها. فكون أبرز أهداف فرنسا من المؤتمر، هو تسجيل نجاح لحيوية باريس الخارجية، فإنّ كلّاً من وزارتي الخارجية والمالية الفرنسيّتين، تنافستا على أن يستضيف مقرّها مؤتمر سيدر، حيث رغبت كل منهما أن تحصل لنفسها على المستوى الإعلامي الفرنسي الداخلي على «حصة الأسد» في إدارته. ولكنّ تدخّلاً من جانب الرئيس الفرنسي ماكرون حسم التنافس لمصلحة أن تستضيفه وزارة الخارجية، رغم أنّ وزارة المالية إعتبرت أنّ الصفة المالية للمؤتمر تعطيها حقّ إعتبار نفسها الجهة المختصة بإستضافته في مقرّها.

وفيما يبدو قام ماكرون برعاية نوع من التسوية على هذا الصعيد، حيث تقرّر أن يحضر وزير الخارجية حفل افتتاح مؤتمر سيدر، ومن ثمّ مع بدء أعماله يترك كرسيه لوزير المالية، وفي جلسته الختامية تتمثل فرنسا بالرئيس ماكرون. وتؤشر كثافة الحضور العالي والنوعي الرسمي لباريس في سيدر، بدرجة أولى الى مدى إهتمام فرنسا بتحصيل اكبر قدر من المكاسب الدبلوماسية من رعايتها للمؤتمر.

ثالثاً – ثمّة ثلاثة عناوين جرى نقاش حولها خلال الاعداد لمؤتمر سيدر، سواءٌ بين باريس والدول المانحة المشاركة فيه، أو بين باريس وبيروت:
وخاضت باريس جدلاً بخصوص العنوان الأول مع دول مانحة مشاركة في المؤتمر، وتركّز على طرح سؤال عن أيّهما هو التوقيت الأنسب لعقد مؤتمر سيدر: قبل الإنتخابات اللبنانية أو بعدها.

رأت وجهة نظر بعض الدول المانحة، وبينها دول عربية، أنه قد يكون من الأنسب الانتظار الى ما بعد الانتخابات النيابية، حتى تتاح إمكانية رؤية طبيعة الوضع السياسي الجديد الذي سيدخله لبنان، ومن ثم يبنى على الشئ مقتضاه بخصوص كيفية دعم اقتصاده.

أما باريس فقد أصرّت على عقده في موعده في 6 نيسان، وعدم ربط موعده بالانتخابات النيابية. وعلّلت ذلك بأنه يجب على المجتمع الدولي أن يعطي رسالة قاطعة بأنه راغب بمساعدة الإستقرار الإقتصادي للبنان، بغض النظر عن طبيعة الوضع السياسي الداخلي الذي يسوده، وانّ الشرط الوحيد للمضي بهذه المساعدة يكمن في تحقيق لبنان للإصلاحات الاقتصادية المطلوبة منه دولياً.

العنوان الثاني يتعلّق بموقع ملف النازحين السوريين داخل أجندة عمل مؤتمر سيدر.

لقد اظهرت نقاشات كواليس الإعداد للمؤتمر عدم وجود حماسة لدى المجتمع الدولي ودوله المانحة المشاركة في المؤتمر، لفكرة أن يقوم لبنان بإدراج ملف النازحين السوريين ضمن مطالبه للحصول على مساعدات مالية واقتصادية.

وهناك اسباب عدة تكمن وراء هذا الموقف الدولي، أبرزها انّ هذا الملف له تعقيداته الدولية والإقليمية الخاصة به، وهو موضوع سيتمّ نقاشُه خلال مؤتمر بروكسل 2، والأفضل لبيروت أن تطرح ملف النازحين خلاله، ولا تقحمه على جدول اعمال مؤتمر سيدر غير المهيَّأ سياسياً ولا لوجستياً، لمقاربته بشكل جدّي.

ولكنّ خلاصة نقاش هذا الملف كما برزت في كواليس الإعداد لمؤتمر سيدر توضح وجود قناعة دولية بأنّ مشكلات لبنان الاقتصادية العميقة موجودة قبل بروز أزمة النازحين السوريين فيه، وهي تعود الى أخطاء لبنانية مستمرة منذ العام 1990، ومن ضمنها إستشراء الفساد وعدم القيام بخطوات جدّية لإتمام الاصلاحات الهيكلية الاقتصادية المركزية المطلوبة.

وعليه، فإنّ كل المنتظر من «سيدر» أن يتضمّن بيانه الختامي اعترافاً بثقل ازمة النازحين على الاقتصاد اللبناني، مع إبرازه دعوة، تمثل تقدّماً إيجابياً في الموقف الدولي من وجهة نظر لبنان، وهي الموافقة على عودتهم تدريجاً واختيارياً الى مناطق سورية يسودها الهدوء.

العنوان الثالث يتصل بالجهات التي ستشارك في مؤتمر سيدر، وآليات تنفيذ قراراته فيما لو تمخّض عنه دعم مادي للبنان، وهو أمر غير مضمون بحسب خلاصات نقاشات كواليس الإعداد له.

وفي هذا المجال جرى التوقف عند ملاحظات اساسية، ابرزها أنّ الجهة الفرنسية المنظمة للمؤتمر اهتمّت بحضور حاكم مصرف لبنان فيه، وبجمعيات ممثلة للمجتمع المدني اللبناني، اضافة الى الوزارات اللبنانية المختصة ورئيس مجلس الإنماء والإعمار والأمين العام للمجلس الأعلى للخصخصة والشراكة. واهتمت ايضاً بأن تشارك فيه الدول التي توجد فيها جاليات كبيرة من اللبنانيين.