Site icon IMLebanon

الطريق إلى جهنم..

 

 

 

الدول كالبشر، يصيبها ما يصيبهم من وجود مادي ومعنوي، من نمو وازدهار ومن اعتلال وهلاك، الأولى صناعة بشر والثانية خلق إلهي، كل منهما يتقدّم ويتطوّر ويموت، وموت البشر مقدّر ومرسوم ولكل واحد منهم أجل محدد. أما الآخر يعمّر ويصبح دلالة وشهادة لمن صنع وبنى من البشر كالآثار التي تلازمه وتصبح الناطقة عنه، نجاحا أم فشلا، افتخارا لما صنع أم ازدراء وإهانة بما ترك، فأهرامات مصر الشاهدة الحيّ على عظمة ما أنجزه فراعنة ذاك الزمان، وعجائب الدنيا السبع شاهدة لصنع الأمم والشعوب، ومن جهة ثانية الظلم والاستبداد والطغيان وحكم الشعوب من الحكام المستبدين بالحديد والنار ومذلّة الإنسان وقتله عمدا، فردا أو جماعة، بأنماط الديكتاتورية والعنصرية والفاشية والنازية، واستعمال الشعوب وسوقها وبلدانها للتخريب والدمار هي أفدح الجرائم وتشمل كل معاني الفساد والإفساد. والاهتمام البشري ينصب دوما على الدولة ومنطوقها البنائي والقانوني وإشادة حضارات، وما تحمله من إرث غالٍ وثمين للبشرية تتوارثه الأجيال بشقّيه الإيجابي النافع أو السلبي الضار.

 

 

والدول ومفردها (الدولة) بمعناها القديم هي الأمم، وبالحديث الدولة التي عرفت به منذ القرن السادس عشر. والدولة من أحدث تعريفاتها أن الانتماء إليها غير اختياري، فهي تُعنى بحياة البشر من كل نواحيها وتحتضن المجتمع أي مواطنيها. وهي تحدّد وتمنح الحقوق والواجبات والقوانين وترسم لنفسها أو ترسم لها السلطة والسلطات، المؤسسات والمرافق والمواقع ولها وحدها صفة الشرعية، وهناك أخطار جمّة تصيب الإنسان كما تصيب الدولة، ولعل من أخطرها وأكثرها خطورة هو (الفساد) إذا ما حلّ بإحداها أو بالإثنين معا أحدث بهما التدمير والهلاك، وهذا حالنا الآن في لبنان ومن هنا ينبغي كشف ظواهر الفساد ومكافحته وإقصاء الفاسدين ومحاسبتهم بل وعزلهم عن المواقع العامة والرسمية وعن المجتمع وأهله. فالفساد كالطاعون قديما والسرطان حديثا والإيدز والكورونا ومشتقاتها حاليا نتيجته بحلوله الموت المحقق والعذاب والمعاناة الشديدين. ونحن معشر المحامين اللبنانيين ورجال القانون كنّا أول من حذّرنا ونبّهنا إلى هذا الوباء الذي مارسته الزمرة الحاكمة والمتحكمة بالبلاد والعباد، دعينا بإسم لقاء الحقوقيين المستقلين إلى /مؤتمر لمكافحة الفساد/ ببيروت بتاريخ 18/4/2019 بمشاركة نخبة من رجال القانون والسياسة والاقتصاد، وخلص إلى دراسات واقتراحات وحلول جمعت بكتاب تعميما للفائدة، لكن مسؤولي هذه البلاد لا يقرأون.

 

مظاهر الفساد/ قول مأثور يتردد، ما دخلت السياسة شيئا إلا أفسدته (هي السياسة الميكيافيلية) فالحالة السياسية بصورة عامة تعتبر المصدر الأول للفساد فيطال كافة القطاعات ونواحي الحياة في المجتمع والدولة والإنسان وبات الفساد ظاهرة لا يكاد يخلو مجتمع أو نظام سياسي منها، وهو تعريفا نقيض الصلاح والإصلاح وإنحراف عن الحق والقانون وعن القيم والأخلاق والصواب، وفسد الرجل جاوز الصواب والاستقامة والتعقّل وأفسدت المواد بكل أنواعها فأتلفت.

 

وتتعدد معاني الفساد وتختلف دلالاته باختلاف استعمالاته قد يكون: ظلم، اضطهاد، جور، تخريب وتدمير، وقد يكون رشوة وسرقة، اختلاس، هدر أموال، ابتزاز، استغلال النفوذ وتزوير وغش، ويكون متفشيا في مؤسسات الدولة وأجهزتها الإدارية والمالية والاقتصادية في نظام الحكم والحزب والانتخاب والسياسة، في العقود والصفقات وحتى الفساد تراه في السلطة القضائية والتشريعية والحكومية وبالمصارف والوزارات، وغياب المساءلة والمحاسبة والعقوبة وعدم تطبيق القوانين ويعشعش الفساد في الصناديق المنشأة بطريقة التقاسم صندوق الجنوب، والمهجرين والانماء والإعمار وفي أغلب مواقع الدولة وتوزيعها طائفيا ومذهبيا. ووباء الفساد انتشر كالهواء في الجسم اللبناني كله ولا ننسى تكديس أزلام الأحزاب والتيارات في إدارات الدولة بلا إستثناء وزرع الأبناء والبنات والأقارب من كل المراتب في مواقع متقدمة بالدولة دون أدنى اعتبار للكفاءة والقدرة والقرابة ابنا أو أبنة، أخا أو أختا، صهرا.. والأدهى من ذلك صارت مواقع الدولة حكرا لعائلة هذا الرئيس أو ذاك، ولهذه الطائفة أو تلك في النيابة والوزارة والسفارات والوزارات، وآخر بدّع الفساد حقوق الطائفة والمواقع بأعلى الدولة للأقوى ليس علما ولا حكمة وتجربة ونظافة كف بل الأقوى فجورا أو مليشية أو سلاحا فالتا، أو آخر اختراع الديمقراطية التوافقية والتي هي تقاسم لأشخاص وصلوا لسدّة المواقع بظروف غير طبيعية فاقتسموا الدولة بإسم الطوائف والمذاهب وأبعدوا شباب طوائفهم من أصحاب الكفاءة والمقدرة والقدرة عن مواقع الدولة لأنها أصبحت بما فيها الوزارة والنيابة للإتباع والمحازبين والمليشيا والأزلام، وغاب عن لبنان الوطن الفعل والموقع الوطني وحلّ محله تيار هذا الرئيس أو ذاك وهذه الطائفة أو المذهب.

 

هذه الكوارث هي السائدة بلبنان الذي بشّروا بوصوله الى جهنم وبئس المصير. وصار الوطن على شفير الزوال والاضمحلال، وهذا ما أشار إليه مسؤولون في دول عدة تساعد لبنان، أن هذا الواقع البائس والمرير السائد في البلاد وخاصة في هذا الحكم والمتحكمين بسلطاته كافة فهم يتقاسمون السلطة والدولة فيما بينهم ويحكمون لتحقيق مصالحهم ومصالح ارتباطاتهم خارج أي محاسبة سياسية أو مساءلة إدارية أو قضائية، ولم يرَ الشعب اللبناني يوما معاقبة أي من السياسيين على جرائم الفساد واستغلال السلطة والنفوذ.

 

ونخلص في هذه العجالة التي سنستكملها بكشف كل مظاهر الفساد إلى القول بأن أي وعودا مضللة بإجراء إصلاح وتغيير ومكافحة الفساد تبقى عديمة الجدوى ما لم تقترن برحيل الطبقة السياسية المتحكّمة بزمام السلطة.

 

وكما الفساد يصنعه الفاسدون المفسدون، فالإصلاح لا يصنعه إلّا الصالحون المصلحون.