IMLebanon

الطريق إلى تصفية «داعش»

يبدو أن «جميع الطرق تؤدي إلى داعش» اليوم، مع الجهود الحثيثة التي تؤدي إلى تقاطع الخيوط الدولية وتشابكها في محور وحيد أخيراً: الحرب على الإرهاب. تلك النقطة السحرية التي تجمع بين القرار الأخير لمجلس الأمن وانتقال السلطة العراقية ووصول المندوب الأممي إلى دمشق وتشكل الحلف الدولي لمحاربة «داعش» في سورية والعراق. صحيح أن هذا المحور كان يوماً ما علامة مسجلة للنظام السوري في نواحه المستمر طيلة الأعوام الماضية، إلا أنه يبدو حتى الآن خارج سياق لعبتها حتى إشعار آخر، أو ربما للأبد.

وعلى رغم جدية هذا التحرك المتسارع، فهو لا يحمل الكثير من الآمال بتغير دراماتيكي سريع. من البديهي أن عمل هذا التحالف في مواجهة الإرهاب قد يستغرق أشهراً طويلة، لكن رؤية خبراء ومحللين في البنتاغون الأميركي تذهب إلى ما هو أبعد: تلك خطة لن تكفيها إدارة أميركية واحدة. ستة وثلاثون شهراً هو الرقم الذي يعلنه هؤلاء فيما يبدو أنه أكثر من مجرد تخمين. ستة وثلاثون شهراً، لا ثلاث سنوات.

ثمة من لا يأخذ هذه التقديرات بجدية، ويرى أن خلفها محاولة مبطنة لمنح الرئيس أوباما ولاية رئاسية ثالثة استثنائية على خطا سلفه روزفلت. صحيح أن المادة 22 من الدستور الأميركي لم توضع فعلياً إلا بعد فوز روزفلت بمنصب الرئاسة أربع مرات متتالية، إلا أن مبرر كسر القاعدة العرفية غير المكتوبة آنذاك عام 1940 كان ضرورة الحفاظ على السياسة الأميركية في خضم الحرب العالمية الثانية، وهي ظروف قد لا تختلف كثيراً عن الطريق الذي تسير فيه الولايات المتحدة الأميركية اليوم ضمن ما لا يختلف كثيراً عن مفهوم الحرب العالمية الثالثة المفترض. خصوصاً إذا تناولنا بجدية مفرطة محاولات النائب الديموقراطي (هوزيه سيرانو) إعادة تمرير مشروع قرار مطلع هذا العام يقضي بإلغاء المادة الـ22 من الدستور الأميركي، والسماح للرئيس بالترشح عدداً لا نهائياً من المرات.

إلا أن الدخول في التفاصيل يوحي بأن الخطة قد تقتضي ما لا يقل عن هذه المدة الزمنية بالفعل، إذا افترضنا أنها أكبر من مجردة تصفية كيان الدولة الإسلامية إلى ما هو أبعد، أي استئصال أي خلفاء محتملين لهذه الدولة قد يؤدي الانحسار الداعشي إلى تمكنهم. بالتالي فإن خطة شاملة كهذه لا بد أن تضع في اعتبارها خيار تصفية «داعش» أخيراً لا أولاً، متضمناً الضغط العسكري على «داعش» لتجميدها في مكانها أو إضعافها نسبياً من دون القضاء عليها في هذه المرحلة، ريثما يتم التخلص من جميع الحركات المقيدة بها، والتي لا يمنع انتعاشها وانتشارها الحالي سوى الغول الداعشي المتربص بها. بل إن هذه الحركات قد تكون أخطر وأكثر أهمية بالنسبة للإدارة الأميركية، إذ إنها تحظى بحواضن شعبية كبيرة مقارنة بـد»اعش» التي تم الاشتغال إعلامياً على جعله العدو المطلق والشر الأكبر. نتحدث هنا عن حركات جهادية من قبيل الجبهة الإسلامية وأحرار الشام وجيش المجاهدين… وصولاً إلى «جبهة النصرة» و «داعش».

ما أعلنته الإدارة الأميركية مؤخراً عن المراحل الثلاث لخطة استئصال «داعش» يكاد لا يبتعد كثيراً عن هذه الرؤية، فاستهداف «داعش» واستئصالها في سورية يشكل المرحلة الثالثة والأخيرة من ملامح تلك الخطة. مما يعني أن ثمة مرحلتين أوليتين تستثنيان في سورية طرفين كبيرين هما «داعش» والنظام السوري. ولكأن الرئيس الأسد الآن يجلس منتشياً في قصره وهو يراقب أحلامه تتحقق أمامه: سيأتي يوم تقتصر فيه سورية على خيارين متضادين هما النظام السوري و «داعش».

يبدو أن اغتيال عدد من القيادات السلفية الجهادية في سورية متضمنة قائد تنظيم حركة أحرار الشام الإسلامية ليس حدثاً عابراً في هذا السياق، وأن مستقبل هذه الحركة بعد اغتيال قيادييها لن يكون أفضل حالاً بكثير – رغم الاختلافات الجوهرية – من حال لواء التوحيد الذي دخل مرحلة انحدار واضح بعد اغتيال قائده عبد القادر الصالح منذ أكثر من عام. ولا يمكن هذه الرؤية أن تؤكد نفسها بنفسها الآن، لكن من المحتمل أن تكون هذه إحدى خطوات السيناريو المحسوب بدقة الذي يرسم ملامح المرحلة القادمة. ولن يكون معيار ذلك سوى انتظار المستهدف التالي على اللائحة، وسقوط بيدق آخر من المجموعات المسلحة الجهادية في سورية، رغم أن ذلك لا يعني بالضرورة اللجوء دائماً إلى الاغتيال المباشر للقيادات.

إن الحركات الجهادية الإسلامية المغضوب عليها في سورية ترزح الآن تحت خطر أكبـــر وأشد وطأة، فلم يعد كافياً الحصار العسكري والاقتصادي الذي مـــورس عليـــها بصـــرامة طيلة الأشهر الماضية. يبدو الآن أن صلاحيتها انتهت ولا حل إلا بإزاحتها طوعاً أو كرهاً، بل وأغلـب الظن أنها ستختفي جميعها قبل «داعش» التي ستكون بمثابة «الشاه الملك» الذي يتم التخلص منه في نهاية المطاف.