IMLebanon

الطريق إلى الطفيل: نهاية 7 عقود من العزلة

 

انطلقت أعمال تنفيذ المرحلة الأولى من طريق الطفيل، لتُنهي عقوداً من العزلة التي كان يعيشها سكان البلدة. لأول مرّة منذ الاستقلال سيكون لديهم طريق إلى الوطن بعد خيبات أمل متواصلة امتدت على أكثر من سبعة عقود، غير أن هذه الطريق لن تعبدها انتخابات السادس من أيار بعدما قررت وزارة الداخلية نقل قلمي اقتراع البلدة إلى معربون

 

 

منذ الاستقلال، تعيش بلدة الطفيل في «غُربة». لا طريق مؤدية إلى البلدة عبر الأراضي اللبنانية. الطريق الفعلية إليها تمرّ عبر الأراضي السورية. سكانها عاشوا سبعة عقود ونصفاً من العزلة ينتظرون طريقاً تربطهم بالوطن. تقيّتهم كانت وعوداً سياسية تُرجمت بقرارات غير قابلة للتنفيذ. آمالهم الخائبة انتعشت اليوم مع بدء تنفيذ الطريق.

لطريق الطفيل قصّة طويلة يرتبط معظمها بالتمويل. ليس هناك ما يوثّق فترة ما بعد الاستقلال حتى نهاية الحرب الأهلية، لكن يتردّد أن الطريق مرسومة على الخرائط، ولم تُرصد اعتمادات لتنفيذها. أما في فترة ما بعد الحرب، وتحديداً في مطلع التسعينيات، فقد لُزّم تنفيذها لشركة يملكها المتعهد علي إبراهيم الموسوي، بمبلغ 1.8 مليار ليرة، لكن «أحد النافذين تمكّن من إلغاء المناقصة وإعادتها بعد نفخ الأسعار إلى مبلغ 24 مليار ليرة»، وفق الموسوي. أهالي الطفيل دفعوا الثمن ببقاء عملية ربطهم بالوطن معلّقة حتى عام 2001. يومها كلّفت وزارة الأشغال العامة شركة كريدو وضع مخطط وتصميم طريق جبلية تربط قرية الطفيل بقرية النبي سباط. انتهت الدراسة في كانون الثاني 2002، لكن التنفيذ لم يبصر النور أيضاً بسبب غياب التمويل.

بعد بضعة أشهر، تداخل مسار الطريق مع المرسوم 8803 الصادر في 4/10/2002 الذي صنّف منطقة الطفيل صالحة لإنشاء مقالع، «ما جعل من الضروري إعادة الدراسة المنجزة للطريق على أسس مختلفة وبمواصفات جديدة لكي تكون صالحة لسير الشاحنات الثقيلة التي يحتاج إليها لاستثمار منطقة المقالع في الطفيل» كما ورد في الدراسة. أيضاً نام الملف في الأدراج لخمس سنوات.

وفي عام 2007، ابتدع المسؤولون فكرة تكليف مصرف لبنان تنفيذ الطريق وفق طريقة BOT على أساس أن هناك الكثير من الأراضي التي يملكها مصرف لبنان في منطقة الطفيل جراء وضع اليد على أملاك بنك مبكو. وبناءً على مشاورات جرت بين رئاسة الحكومة ووزارة الأشغال ومصرف لبنان، طلب المدير العام للطرق والمباني من شركة كريدو استكشاف المسارات والحلول البديلة من التصميم السابق، فتوصلت الشركة إلى تحديد ثلاثة مسارات:

ــ تنفيذ الطريق الجبلية بطول 24 كيلومتراً وبكلفة تقديرية تراوح بين 12 مليون دولار و14 مليوناً، لكن هذه الطريق لن تكون صالحة لتأمين سير الشاحنات الثقيل.

ــ تنفيذ طريق صالحة للسير الكثيف للشاحنات بمواصفات هندسية عالية وانحدارات محدودة ومنعطفات واسطة بطول 32 كيلومتراً وبكلفة تقديرية تراوح بين 24 مليون دولار و28 مليون دولار.

ــ تنفيذ طريق مماثلة للحل الثاني بعد اختصار أعلى نقطة للمعبر الجبلي بواسطة نفق طوله 4 كيلومترات، لتصبح الطريق مع النفق بطول 28 كيلومتراً، وبكلفة تقديرية تصل إلى 28 مليون دولار. لكن النفق يحتاج إلى صيانة دورية وإدارة خاصة لناحية السير والسلامة العامة.

أوصى الاستشاري ومجلس الإنماء والإعمار باعتماد الحلّ الثاني، على اعتبار أن الأعمال الجارية في هذه الطريق ستخفض الكلفة بنسبة 20% إذا سمح للمتعهد ببيع الكميات الفائضة عن الحفريات الصخرية، فوافق مجلس الوزراء بتاريخ 10/11/2007 على هذه التوصية، وأقرّ التمويل من خلال مصرف لبنان عبر أسلوب BOT. المفاجأة أن قرار مجلس الوزراء لم يطبّق، بل تبيّن أن مصرف لبنان طلب بتاريخ 26/9/2008 من شركة «كريدو» دراسة جديدة تتضمن مسارات بديلة للطرق وخفض نسبة الانحدار فيها إلى نحو 6% ووضع جدول مقارنة بين المسارات المختلفة على أساس معايير فنية ومالية.

مجدداً، أنجزت الدراسة وسلّمتها «كريدو» لمصرف لبنان في 22/12/2008، إلا أن هذا الأخير «لم يتخذ قراراً نهائياً بهذا الشأن» كما ورد في كتاب الشركة لوزير الأشغال في حينه غازي زعيتر. السبب، بحسب وزارة الأشغال، أن هذا القرار «يحتاج إلى قانون يشرّع طريقة الـBOT».

بعد أربع سنوات، أدرج تنفيذ جزء من طريق الطفيل ضمن لائحة من المشاريع التي أقرّها مجلس الوزراء في 5/9/2012. التلزيم أنجز في آذار 2013 بمبلغ 4.5 مليارات ليرة بطريقة استدراج العروض المحصور، لكن اعتراضات بعض الوزراء حالت دون التنفيذ، إذ كانت هناك مزايدات ترفض تنفيذ المشروع جزئياً. وعندما عيّن غازي زعيتر وزيراً للاشغال العامة، أعيد عرض الموضوع على مجلس الوزراء في جلسته المنعقدة في القصر الجمهوري بتاريخ 2/5/2014. يومها، أقرّ تنفيذ الطريق عبر تخصيص قانون برنامج لربط الطفيل بالبقاع بقيمة 24 مليون دولار تتوزّع على عامي 2015 و2016، على أن تُعطى وزارة الأشغال سلفة خزينة بقيمة 4 ملايين دولار للمباشرة بالأعمال المطلوبة. وزير الأشغال أطلق التلزيم بواسطة استدراج عروض محصور ووجّه دعوة إلى أربع شركات مختارة منه بموجب القرار رقم 24/1 تاريخ 15/1/2015، وهي: «الشركة العربية للأعمال المدنية»، «غلوبال كونتراكتينغ»، «مكتب حميد كيروز»، «أسفلت حامات».

 

لطريق الطفيل قصّة طويلة يرتبط معظمها بالتمويل

يومها فازت «غلوبال كنتراكتينغ» المملوكة من حسّان بشراوي وبشراكتها مع علي إبراهيم الموسوي بمبلغ 4.616 مليارات ليرة. لكن التلزيم لم يصل إلى التنفيذ بسبب عدم حجز النفقة اللازمة له.

عُرض الملف مجدداً على مجلس الوزراء في 21/7/2016 بهدف تمكين وزارة الأشغال من الحصول على مبلغ 4 ملايين دولار لبدء الأعمال من خلال نقل اعتمادات من احتياط الموازنة بدلاً من سلفة الخزينة! اقتصر الأمر على نقل الاعتمادات من دون تلزيم.

نُفخت الوعود للطفيل، وبقي المشروع على الورق، إلى أن أعاد وزير الأشغال عرضه على مجلس الوزراء في 20/7/2017 بعد إجراء تعديلات على مسار الطريق وإضافة طرق فرعية تصل إلى التلال القريبة. الوزير يوسف فنيانوس، طلب الموافقة على تلزيم الأشغال بطريقة استدراج عروض محصور تدعى إليه شركات مختارة منه، ونقل 9 مليارات ليرة من احتياطي الموازنة لتمويل كلفة التلزيم. وبموجب قراره رقم 2734/1 المتعلق بتسمية المتعهدين المدعوين للمشاركة في ملف تلزيم اشغال تأهيل طريق الطفيل، دعت وزارة الأشغال عدة شركات للاشتراك في التلزيم، هي: «جلخ للمقاولات»، «شركة غزاوي وطالب للتعهدات»، «شركة آراكو للاسفلت اللبنانية»، «مكتب حميد كيروز»، و«شركة حمود للتجارة والمقاولات».

وبحسب محضر فضّ العروض، فقد رُفض عرض «غزاوي وطالب» وقبلت العروض الأخرى، فيما فازت «شركة حمود» بتنزيل مئوي يبلغ 18% ورسا الالتزام عليها مؤقتاً بمبلغ 8.89 مليار ليرة.

أخيراً، بدأ التنفيذ لينهي عقوداً من العزلة التي شهدتها بلدة الطفيل. إنشاء الطريق إلى الطفيل تطلّب أكثر من سبعة عقود.

 

طرق ترابية للتهريب

في مداولات مجلس الوزراء، كانت هناك قناعة دائمة بأن قرية الطفيل ومنطقة إصبع الطفيل التي تبلغ مساحتها 40 كيلومتراً هي معبر للتهريب وأنها معزولة عن الأراضي اللبنانية. ففي قرار مجلس الوزراء رقم 70 بتاريخ 20/5/2014، ورد أن منطقة الطفيل لا تربطها بسهل البقاع أي طريق معبّدة، بل هناك طرق ترابية تستعمل غالباً للتهريب، وأن أهالي المنطقة يعتمدون طريق رنكوس من سوريا للوصول إليها.

 

من حام إلى الطفيل وبعلبك

تبدأ طريق الطفيل من جنوب قرية حام عبر وادي المزرعة باتجاه نقطة عبور سلسلة جبال لبنان الشرقية على ارتفاع 2105 أمتار، ثم تذهب نحو منطقة عين الجوزة، وتنعطف شمالاً في اتجاه قرية الطفيل. طول هذه الطريق يصل إلى 20.7 كيلومتراً باستثناء مداخل الثكنات العسكرية التي زيدَت على المسار الأخير للمشروع. أقرب نقطة في هذه الطريق للحدود السورية هي على مسافة 146 متراً، ويمكن إجراء وصلة مع بعلبك عبر رياق تتطلب شق طرقات مسافتها 13.6 كليومتراً وتأهيل طرقات مسافتها 5.76 كيلومترات. كلفة إنشاء طريق الطفيل التقديرية تبلغ 31.64 مليون دولار وكلفة صيانتها السنوية تبلغ 1.58 مليون دولار.