عاد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون من العاصمة الأرمينية – يريڤان حاملاً في قلبه وبين يديه مسؤولية نائب رئيس القمة الفرنكوفونية كواحد من بين خمسة نواب للرئيس، وأمامه في بلده الأم، لبنان، مسؤولية بالغة الدقة والأهمية الوطنية، تتمثل بإنجاز تأليف الحكومة الجديدة، وقد طال الإنتظار… والأفرقاء السياسيون المهتمون بالعرقلة، ماضون في سياسة «الشيء ونقيضه»، ولا جديد في «المطبخ الحكومي» يوحي بأن «الخلطة المنتظرة» نضجت بما فيه الكفاية، أو إقتربت من ذلك… والجميع يتطلع الى الإجتماع المرتقب بين الرئيس عون والرئيس المكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري.»المرحب به ساعة يشاء» حيث يفترض «إماطة اللثام عن الوقائع المحيطة بمشهد التأليف، ليتضح الخيط الأبيض من الخيط الأسود…».
حتى اليوم، ليس في المعطيات المتداولة ما يؤشر الى أن جديداً قد حصل، والرئيس المكلف يعتمد الصمت، والأفرقاء المهتمون بالعرقلة ينفون ما يشاع عن صيغ أو إقتراحات صيغ جديدة وصلتهم… وهكذا، فإن الأمور تدور في حلقة مفرغة، وهي موقوفة على ما سيخلص اليه لقاء بعبدا… على رغم تحذيرات عدد من الدول الصديقة للبنان – وفي مقدمتها فرنسا، من المضي في الفراغ الحكومي هذا… وقد كانت لافتة زيارة الموفد الرئاسي الفرنسي بيار دوكان الى بيروت ولقائه الرئيسين بري والحريري، كما ولقاء الرئيس عون مع الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون في يريڤان أمس وأول من أمس. حيث، وعلى ما قيل، حضرت ملفات عديدة بين البلدين، ومن أبرزها مؤتمر «سيدر»، كما ومسألة النازحين السوريين، وقد رافق ذلك سيناريوات عديدة، من بينها حرص فرنسا على عدم التدخل في الشؤون الداخلية اللبنانية، وإن شجعت على لسان الرئيس ماكرون، كما على لسان موفده الى بيروت ودوكان، على أن تكون حكومة لبنان في أسرع ما يمكن لمواكبة الإستحقاقات المرتقبة، وفي مقدمها تنفيذ مقررات مؤتمر «سيدر».
من غرائب ما يحصل على ساحة المشهد الحكومي، أن الأفرقاء المعرقلون ولادة الحكومة الجديدة، يرمون المسؤولية على الرئيس المكلف سعد الحريري، ويقرون بأنه «يتعرض لعراقيل عديدة وللتعدي على صلاحياته..»، وقد غسل البعض اياديه من ذلك… والكل «يشد على يدي الرئيس الحريري من دون أي خطوة الى الأمام تساعده في إزالة العراقيل التي تعترضه..
تكثر الأقاويل والتصورات حول الصيغة التي إقترب منها الرئيس المكلف… ويوماً بعد يوم، بل ساعة بعد ساعة، تنبت مطالبات جديدة بالحصول على حقيبة من هنا وحقيبة من هناك… أو إنتزاع حقيبة من فريق واهدائها لآخر من دون النظر الى ما يترتب على ذلك من تعقيدات إضافية، رغم ما يسوق لذلك بأنه «خود وأعطي» لسحب بعض الذرائع التعطيلية.
كان الرئيس الحريري قبل ايام أكد في دردشة مع الصحافيين قبيل ترؤسه إجتماع كتلة «المستقبل» الأسبوعي، ان «العقد الحكومية على طريق الحل، والكل يتنازل، حتى «التيار الوطني الحر»… مشيراً الى أن المعيار الوحيد الذي يلتزمه هو «حكومة وفاق وطني»، آملاً أن تشكل الحكومة بعد عودة الرئيس عون…
لم يعد خافياً على أحد، أن أكثر المتحمسين لولادة الحكومة العتيدة هو الرئيس الحريري لاعتبارات عديدة، خصوصاً وإن لبنان يعيش فترة جمود قاسية جداً والوضع الإقتصادي والإجتماعي والمعيشي والمالي يزداد صعوبة يوماً بعد يوم… وقد حذر الرئيس نبيه بري من الوضع الذي آل إليه البلد و «المطلوب أن نضحي من أجل البلد لا أن نضحي بالبلد من أجل هذا الفريق أو ذاك..» خصوصاً وإنه مع استمرار الأزمة الحكومية، فإن سائر الأزمات مفتوحة على العديد من الإحتمالات..
لا يخفي البعض قلقه من إستمرار هذه الأزمة – الأزمات، وهذا البعض لا يتردد في دعوة رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري، الى إتخاذ خطوات إنقاذية.. لأزمات المياه والكهرباء والصرف الصحي والطرقات والمستشفيات والتعليم، وما إلى ذلك، «فالمسؤولية مسؤولية أكانت حكومة تصريف اعمال أم حكومة عادية لأن الإنسان هو الأهم..».
الجميع يتطلع الى ما سيكون عليه لقاء الرئيسين عون والحريري المقبل، حيث شدد الأول على أن تشكيل الحكومة شأن لبناني… وقد أفادت تسريبات أولية أن مسألة توزيع الحصص باتت قريبة جداً من الحسم، على صورة 3 عشرات، وإن كان النقاش لايزال يتمحور حول طبيعة الحقائب التي ستذهب لكل فريق… خصوصاً بين «التيار الحر» و «القوات اللبنانية» كما وبالنسبة لحلحلة «العقدة الدرزية»؟! وقد إرتأى البعض إعتماد الصيغة التي عليها حكومة تصريف الأعمال الحالية، في مقابل آخرين يتمنون اعتماد مبدأ المداورة في الوزارات، خصوصاً الخدماتية منها، رغم أن البعض «لا يتزحزح» عن بعض الوزارات ومنها «المال»، و«الطاقة» و«الأشغال» و«الإتصالات» و»الخارجية»..
العقدة الأساسية هي في «البيت المسيحي»، والكرة هي في ملعب الثنائي «القوات» و«التيار»، من دون إنكار الدور البالغ الأهمية لرئيس الجمهورية كما ولرئيس الحكومة في حلحلة العقدة…