قبل فترة وبالتزامن مع حرب الصلاحيات، التي نشأت بين بعبدا والسراي، وتحديداً بين رئيس الجمهورية السابق ورئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي، أطلق البطريرك الماروني بشارة الراعي صرخته لتشكيل حكومة جامعة لا فئوية، حكومة شعب لا حكومة تحالف أو فئة تريد أن تهيمن على البلاد بالواسطة، وسبق ذلك بيان لمجلس المطارنة الموارنة، دعوا خلاله الى الاسراع بتشكيل حكومة تمنع أي طرف من حكم البلاد، وتمنوا على المعنيّين تسهيل عملية التشكيل، وعدم استغلال اي إجراء دستوري لتسجيل نقاط في السياسة، مناشدين الطرفين أي رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المكلّف، التعاون الوثيق للخروج بحكومة تثبت كيان المؤسسات الدستورية.
هذا البيان إستدعى زيارة عاجلة حينئذ من قبل ميقاتي الى بكركي، للتوضيح بأنّ عقد التكليف لا شأن له بها، وبأنه لن يقوم بتجيير صلاحيات الرئاسة له، للتأكيد على عدم صحة ما يُشاع من انه يريد ان يتحكّم بصلاحيات رئاسة الجمهورية، في حال الفراغ الرئاسي، اي قام بزيارة طمأنة، كما إشتكى ميقاتي في ذلك الوقت رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل، لانه يضع العصيّ بدواليب الحكومة وعملية تأليفها.
هذه التطمينات اتت بالتزامن مع مخاوف وهواجس البطريرك الراعي، التي تبرز في عظاته كل احد وفي كل مواقفه، لانه خائف على مصير لبنان بشكل عام، وعلى المسيحيين بشكل خاص، الذين يهاجرون بأعداد هائلة منذ ان تفاقمت الازمة في العام 2019، كما يبدي مخاوفه على المركز المسيحي الاول في الدولة، لانّ المجهول يطوقه وقد لا نعرف مصيره في حال طال الفراغ الرئاسي لسنوات، لذا يكرّر يومياً ضرورة إنتخاب رئيس وسطي قادر على جمع الافرقاء السياسيين، للقيام بما فيه مصلحة لبنان عموماً.
الى ذلك، ومنذ ذلك الحين تفاقمت هواجس بكركي من تعثّر الاستحقاق الرئاسي هذه المرة ايضاً، الامر الذي يشكل خوفاً على دور المسيحيين، مع تكرار الفراغات كل ست سنوات، كما اطلقت مخاوفها من دعوة البعض كل فترة الى تغيير النظام، لِما يمكن أن يحمله من مخاطر على الدور المسيحي المقبل، مما يعني تغيير هوية لبنان.
من هذا المنطلق رفض البطريرك الراعي تجيير صلاحيات الرئاسة الى حكومة تصريف الأعمال، بالتزامن مع كلام يدور في الكواليس والمطابخ السياسية عن الفراغ الرئاسي الطويل، مع مقولة تعود وتتردّد بعد إنتهاء ولاية كل رئيس، ” انه آخر رئيس مسيحي في لبنان”.
هذه الصورة التي تنقل مشاهد سياسية غير مطمئنة، رافقها قبل ايام كلام من الرئيس ميقاتي خلال حديث متلفز، عن تقرير ورد الى بكركي يفيد بأنّ نسبة المسيحيين في لبنان باتت 19.4 في المئة، في توقيت حساس ودقيق يطرح تساؤلات خصوصاً انّ النسبة غير صحيحة لكن طرحها يقلق، الامر الذي رأت فيه مصادر نيابية معارضة خطاً فادحاً، من الصعب ان يقع فيه ميقاتي، لانه يطال موضوع التوازنات وبالتالي يطلق العنان للقلق والهواجس المسيحية، على مصير الموقع المسيحي الاول في لبنان والشرق، لكن الرد اتى سريعاً وحمل نفياً من البطريركية المارونية، ومن نواب ومؤسسات مارونية ومسؤولين إعتبروا بأنّ رئيس حكومة تصريف الاعمال، أراد إطلاق رسالة حول النسب الطائفية في البلد وتحديداً المسيحية، غامزاً من قناة العددية التي تراجعت، متناسياً ما فعلوه في البلد وادى الى هجرة كبيرة غير مسبوقة للمسيحيين وغير المسيحيين خلال حكم هؤلاء المسؤولين، الذين عاثوا فساداً في البلد، واليوم يريد بعضهم تهديد هوية لبنان، من خلال نسبة احصاء غير صحيحة لا نعرف من أين اتوا بها ؟، معتبرة انها رسالة الى الخارج بأنه لم يعد يحق للمسيحيين تولّي الموقع الاول، وهذا يتطلّب تضامناً وتوافقاً بين القيادات المسيحية والفعاليات، لانّ ما قيل لم يأت من عدم، بل من مجموعة تراكمات كانت مخفية، وظهرت الى العلن في توقيت لا يطمئن.