Site icon IMLebanon

دور عُمان… من النووي والخليج الى لبنان

تنشَط الحركة الديبلوماسية في الشرق الأوسط بعدما خلَت الساحة للحروب الطاحنة، خصوصاً خلال الأعوام الأربعة الماضية.

الواضح أنّ الاطراف الاساسية بدءاً من طهران ومروراً بالرياض كما أنقرة وموسكو ودمشق تعمل على تحضير أرضيّة المفاوضات المنتظَرة ووضع مسودات للتسويات.

والواضح أيضاً أنّ المواقف لا تزال متباعدة وتحتاج للآلة الديبلوماسية الاميركية القادرة وحدها على التقريب بين وجهات النظر ودفع الاطراف لكي يُزخرفوا مواقفهم، إن بالإغراء أو بالتهويل.

لكنّ العوائق لا تقف عند هذا الحدّ فقط، لا بل إنها تتعداه لتصل الى النزاعات داخل الدول، خصوصاً داخل الولايات المتحدة الأميركية وإيران.

ففي واشنطن صحيح أنّ «الماكينة» الديبلوماسية الاميركية لن تتحرّك قبل 17 أيلول المقبل موعد انتهاء مهلة الستين يوماً، إلّا أنّ النزاع الداخلي يحتدم، ولو أنّ طهران والعواصم المهتمّة تبدو واثقة من نجاح إدارة الرئيس باراك أوباما في تجاوز امتحان الكونغرس.

وتتناقل الكواليس الديبلوماسية أنّ السيناتور الديموقراطي في ولاية نيويورك شارل شومر وهو يهودي، والذي كان قد أعلن معارضته العَلَنية للاتفاق، قال أمام ديبلوماسيين خليجيّين معتمَدين في واشنطن إنّه واثق من تمرير الاتفاق النووي مع إيران في نهاية هذا النزاع الحاصل، وإنّّه لذلك سمح لنفسه بالتمايز عن ممثلي حزبه لاستيعاب معارضة اللوبي اليهودي الفاعل له.

كذلك نجحت الديبلوماسية الاميركية في التخفيف من المعارضة الخليجية للاتفاق والتي كانت تعمل للضغط على قطاع النفط، وبالتالي التأثير من خلال الشركات النفطية في بعض اعضاء الكونغرس.

وبدا أنّ وزير الخارجية الاميركية جون كيري نجح خلال زيارته الدوحة في 3 آب الماضي في طمأنة وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي، وبالتالي الحدّ من معارضتهم الشرسة للاتفاق مع إيران.

وتجاوب كيري مع اقتراح وزير خارجية سلطنة عمان بمنح دول مجلس التعاون الخليجي ضمانات أمنيّة لمرحلة ما بعد الاتفاق مع إيران.

وتورد أوساطٌ ديبلوماسية مطَّلِعة أنّ الوفد السعودي عاد من اجتماع كمب ديفيد الذي عُقد عقب الاعلان عن الاتفاق مع إيران، أكثرَ قلقاً، خصوصاً بعدما سمع من الرئيس الاميركي تساؤلاتٍ حول المشكلات الامنية الخطيرة التي تختزنها ساحات الدول الخليجية والتي تُهدّد استقرارها.

وخلال زيارة كيري الاخيرة لقطر، قدّمت واشنطن رزمة من الضمانات الأمنية تراوحت بين الموافقة على بيع السعودية أسلحة عسكرية نوعية، والتزامات واضحة بتوثيق التعاون الأمني والاستخباري، اضافة الى تعهدات أميركية غير مكتوبة بضمان استقرار الأنظمة القائمة.

لكنّ كيري حضّ نظراءه الخليجيين على البدء بتحضير الملفات لفتح أبواب الحوار مع طهران، وعلى أساس أنّ المفاوضات تبقى السبيل الوحيد لإنجاز تسويات في البلدان التي تشلّعها الحروب، وفي طليعتها سوريا.

ولم يتأخر أوباما عن الاعلان في وضوح ضرورة حصول التواصل السعودي – الايراني، وستعاود سلطنة عمان حركتها في هذا الاطار، على أساس استضافة وفود رسمية من البلدَين بعد انقطاعٍ فرضته حرب اليمن، حيث كانت قد حصلت لقاءات عدة لمسؤولين سعوديين وإيرانيين.

وتريد واشنطن احتواءَ معارضة الجناح المحافظ في إيران وتحاشي أيّ «دعسة ناقصة». فالتباين واضحٌ في مواقف الرئيس الايراني حسن روحاني ووزير خارجيته محمد جواد ظريف ورئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام هاشمي رفسنجاني ومسؤولي الحرس الثوري الايراني. لا بل إنّ معظم السفراء الايرانيين في أوروبا يتحدثون خلال لقاءاتهم عن مفاوضاتٍ مقبلة لإنجاز حلولٍ سياسية لأزمات المنطقة.

في حين أنّ المحسوبين على التيار المحافظ يتحدثون عن نزاعٍ طويل في المنطقة، وعن حرب سوريّة بلا أفق زمني، وعن أزمة سياسية طويلة في لبنان ستؤدّي الى انهيار مؤسسات الدولة والدخول بعدها في مشروع المؤتمر التأسيسي.

وبحسب اعتقاد ديبلوماسيين أميركيين فإنّ الجناح الايراني المُحافظ سيسعى إلى استثمار أيّ تصعيد في المنطقة لمضاعفة حدّة النزاع وضرب فُرص التسوية، ما سيُعيد إحياء دوره إقليمياً وداخلياً. لذلك ستتجنّب واشنطن الضغط المباشر على إيران لكي لا تدفع بالإصلاحيّين الى أحضان المحافظين، لكنّها في المقابل سترفع مستوى ضغطها على الرئيس السوري وعلى «حزب الله».

وكان واضحاً إدخال تركيا في صفقة جانبية قضَت بالسماح لها بضرب الأكراد وتدمير بنيتهم التحتية الناشئة لإقامة كيانهم شمال سوريا في مقابل الشروع في ضرب «داعش» ومنح تركيا نفوذاً على المنطقة المجاورة لحدودها.

لكنّ الضغط الأميركي في سوريا لن يكون عن طريق تركيا فقط وفي المنطقة الشمالية. فلدى واشنطن تجربة تعتبرها ناجحة عندما ساهم انفلاش «داعش» في شمال العراق للضغط على الداخل العراقي، وبالتالي استبدال نوري المالكي.

اليوم هناك مَن يفكر في اختراق حمص بغية تهديد التواصل ما بين الساحل السوري والعاصمة دمشق، ما يعني عملياً رفع منسوب المخاطر حول العاصمة، في مقابل الدخول في التسوية السياسية والتي ستتولّاها موسكو بالتفاوض مع واشنطن.

وفي لبنان سيكون هناك ضغوط كبيرة على «حزب الله» بهدف الوصول الى تسوية شاملة قبل نهاية السنة، حيث سيكون لسلطنة عمان دور أساس يشبه الدور الذي لعبته قطر في مرحلة 2007-2008.