Site icon IMLebanon

دور المرجعيات الدينية اللبنانية… إلى انحسار؟

في الذكرى السابعة والثلاثين لتغييب ليبيا القذافي بتواطؤ عربي متنوِّع وإقليمي مهم إمام الشيعة في لبنان بل إمام اللبنانيين السيد موسى الصدر لا بد من استهلال “الموقف” اليوم المخصَّص للكلام على المرجعيات الدينية والمذهبية في البلاد وعلى مدى تأثيرها في أحداثها كما على دورها فيها، لا بد من استهلاله بموقفين يعود الأول إلى ما قبل الحروب عام 1975 التي لم تنتهِ بعد على رغم توقفها عسكرياً عام 1990. أما الثاني فمعاصر نعيشه اليوم على تنوُّع طوائفنا ومذاهبنا وانتماءاتها الإقليمية والدولية المتنوّعة. يفيد الأول، وكان يجهر به ويتحدَّث عنه في اللقاءات السياسية “شباب” لبنانيون ذوو خلفيات عدة يؤمنون بأن الطائفية هي علَّة لبنان وستكون مقتله مستقبلاً، وبأن الدولة “العلمانية” (لا الإلحاد) التي صارت “المدنية” اليوم هي الدواء لتجذّر استقرار لبنان وقيام دولته الديموقراطية العادلة وبقاء الكيان، يفيد هذا الأول أن قيام مجلس إسلامي – شيعي أعلى على يد السيد موسى الصدر سيكرِّس الطائفية ومعها المذهبية (إسلامياً) في لبنان، وقد يقوده إلى مستقبل غير مضمون. علماً أن المبررات التي أقنع بها السلطات اللبنانية في حينه بإنشاء “المجلس” صحيحة مثل الحرمان الإنمائي والمعيشي والسياسي للشيعة. وعلماً أيضاً أنه أشار في حينه إلى أن الحرمان يشمل أيضاً أقساماً من فئات لبنانية أخرى مسلمة (سنّية) ومسيحية. ويفيد الموقف نفسه أيضاً أنه من الأفضل مبادرة الدولة إلى رفع الحرمان وتحقيق المساواة في السياسة كما في الإنماء كما في الحقوق على تنوّعها، وبذلك يتقلَّص الدور السياسي للمرجعيات الدينية الأخرى في البلاد وأكثرها تأثيراً في حينه بكركي، ويقتنع أبناء الطوائف الأخرى بأن مصلحة البلاد هي في ابتعاد المرجعيات الدينية عن السياسة. وبعد التجربة الناجحة للإمام الصدر قبل تأسيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى وبعد هذا التأسيس وفي السنوات الأولى للحروب اختطف في ليبيا. واكتشف “الشباب” اللبنانيون أنفسهم أصحاب الموقف المفصّل أعلاه أن تغييبه كان يرمي إلى تحويل المرجعيات الدينية والمذهبية “أحزاباً” متصارعة على السلطة، والطوائف اللبنانية شعوباً متحاربة، وذلك من أجل تنفيذ غايات تبدأ بالسيطرة على لبنان واستعماله ساحة لتحقيق أهداف “وطنية”، وتمرّ بالسيطرة “الأبدية” عليه، وتنتهي بإراحة إسرائيل على المدى البعيد. كما اكتشفوا أن بقاءه، وعلى رغم انعكاسه السلبي الممكن على مدنية الدولة، كان يمكن أن يجنِّب لبنان، مع قيادات أخرى في حينه كبيرة بثقافتها وتجذُّرها، النزول من قعرٍ إلى قعرٍ واكتشاف أن تحت كل قعرٍ قعراً آخر.

أما الموقف الثاني المعاصر الذي اكتشفه “شباب” الموقف الأول، بعدما دخلوا سنّ الكهولة مع احتفاظهم بحسهم الوطني وبذاكرتهم، فهو تقلُّص دور المرجعيات الدينية في لبنان على رغم استمرار التوتُّر والشكوك في العلاقة بين المسلمين والمسيحيين في ظل اتفاق (الطائف)، ظنّ اللبنانيون أنه سيقضي عليها، وأنه سيؤسس لولاء وطني له دائماً المرتبة الأولى من دون أن يمسّ ذلك الأديان وجوهرها. كما اكتشفوا شمول الانقسام حتى الصراع الحاد وربما التقاتل مستقبلاً، لا سمح الله، السنّة والشيعة.

فالبطريركية المارونية لأنطاكية وسائر المشرق تنشط كثيراً يميناً وشمالاً منذ تولّي سدّتها البطريرك مار بشارة بطرس الراعي وتنشط في الخارج. وما يلاحظه أبناء الكنيسة المارونية والمسيحيون إجمالاً أن تأثيرها على قياداتهم والزعامات محدود جداً، والأمثلة كثيرة ولا داعي لذكرها.

والمجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الذي بقي بالوكالة منصب رئيسه لأسباب متنوعة بعضها إقليمي، لا يزال قائماً. لكن مؤسساته التي كانت تحرِّك الطائفة صارت هي جامدة. ووقع هو ومن زمان تحت تأثير قطب الزعامة الثنائية الشيعية حركة “أمل” وزعيمها نبيه بري، ونشأت حركة سياسية – دينية على يد القطب الآخر فيها “حزب الله”. ودار الفتوى أهلكها صراع زعماء السنّة أيام المفتي محمد رشيد قباني. ولا يزال المفتي الجديد على رغم تمتّعه بتأييد “الغالبية” السنّية الزعاماتية، يبذل جهداً تلافياً لأي “دعسة ناقصة”. ذلك أن الطائفة السنّية كانت دائماً القيادة فيها للزعامات وليس لدار الفتوى باستثناء مرحلة، كان سببها تدخُّل سياسي معروف. أما المرجعيات الدينية للطوائف الأخرى فدورها الديني موجود ومرتبط بالمرجعيات الأكبر.

ما الهدف من كل هذا الكلام؟