لطالما أطلّت الفتنة برأسها على لبنان بأشكال مختلفة ومتنوّعة، فإمّا هي مقنّعة أو متلوّنة، متنكّرة أو مستترة، مسلّحة أو متلطيّة خلف الأحزاب، لكنّها في كل الأحوال لم تكن يوماً بهذا الوضوح المستفزّ الذي يترك سيناريو ردود الفعل للشعب اللبناني وتحديداً لأهالي المخطوفين، وإن كان للمطالبة بحقّ من حقوقهم في إنقاذ أبنائهم من همجية المنظمات التكفيرية.
الوضع الأمني بات يُثقل على اللبنانيين، فإضافة الى مشكلاتهم اليومية من انقطاع في الكهرباء والمياه وإضرابات و«معصية» المؤسسات، يحمل اللبنانيون جميعهم همّ العسكريين المختطفين على الحدود اللبنانية-السورية، وإن كان قطع الطرق لا يحقّق رغبة الأهالي بعودة أبنائهم، لكنّه أيضاً كوسيلة ضغط لا يغيّر في سلوك الدولة شيئاً، هي الساعية في الداخل والخارج لإنقاذ حياة أبنائها.
صرخة يوجّهها نواب الأمة الى الشعب اللبناني، لا بل منهم من يوجّه الصرخة الأولى الى السياسيين لعدم التلفّظ بكل ما يسيء الى وحدة اللبنانيين وعدم إطلاق المواقف الاستفزازية التي تزيد الطين بلّة. الكتل السياسية والشعب اللبناني في قارب واحد، فما هو نداء الساسة للشعب؟
يأسف عضو كتلة «المستقبل» النائب خالد زهرمان لكون «كل مسببات الفتنة في لبنان موجودة وعدّة الحرب أيضاً»، ويشدّد على ضرورة «تحلّي المسؤولين والشعب على السواء بالوعي الكافي لنتمكن من الاستمرار». وعن المطلوب يقول: «على المسؤولين التخفيف من حدّة الخطاب التحريضي، وعلى الشعب اللبناني الابتعاد عن كل الزواريب الطائفية وليكن تفكيرنا على مستوى الوطن». ويشير الى أن «الكلام عن لجوء كل فرد الى طائفته لن يؤدي سوى الى حرب أهلية وكانتونات طائفية، والمفترض أن ننظر الى مصلحة لبنان وأن نرجّح وطنيّتنا على كل الأبعاد الأخرى».
ويلفت زهرمان الى أن «المسؤولية مشتركة، منها الابتعاد عن الخطاب المذهبي والتقوقع ضمن الطوائف والمذاهب، ونحن نشهد اليوم على خطابات متقوقعة في الطائفية من قبل بعض الكتل أو العشائر». وكيف على المواطن أن يفرّق ليختار؟ يجيب زهرمان «الأمر بسيط جدّاً، عليه أن ينظر الى مصلحة وطنه وأن يغلّب وطنيّته على كل الحسابات الطائفية الضيّقة».
من جهته، يوصّف عضو كتلة «الكتائب اللبنانية» النائب إيلي ماروني المشهد «كمن يجرّ الآخرين بالقوة ورغماً عنهم الى فتنة مذهبية وطائفية، فيما نحن، الى أي مذهب انتمينا، قلبنا مجروح على العسكريين المخطوفين لأننا نعتمد على المؤسسة العسكرية لإنقاذ لبنان». ويقدّم مثالاً على ذلك «التجربة التي مررنا بها منذ 40 عاماً والتي دمّرت لبنان وقتلت اللبنانيين وهجّرت آخرين نتيجة الاقتتال المذهبي والطائفي وحروب الآخرين على أرضنا».
ويوجّه ماروني نداء الى الشعب اللبناني لضرورة «أن يعي خطورة المرحلة حتى لا يتورّط لبنان ويعود ليكرر تجربة الماضي الأليمة، أيام الخطف على الهوية والقتل على الهوية وقطع الطرق». ويضيف «بلدنا يحتاج الى الحياة وكذلك الشعب والانتصار يكون بالالتفاف حول مؤسساتنا الرسمية والعسكرية لحماية لبنان وكل اللبنانيين». ومن أين يستمدّ الشعب هذا الوعي؟ يشرح ماروني «مثلما علينا أن نقطع الأيدي التي تمتدّ على أي خلل أمني في لبنان، علينا أن نقطع الألسنة التي تعمل على إشعال الفتنة الطائفية لأنه لا يجوز استغلال مأساة الشعب اللبناني لمصالح شخصية وانتخابية وسياسية وفئوية، نحن بحاجة الى إنقاذ لبنان الذي لا يمكن أن يحيا إلا بوحدة أبنائه، حتى لا نخسر لبنان نهائياً».
وينبّه عضو كتلة «اللقاء الديموقراطي» النائب أنطوان سعد اللبنانيين «الى ما يُحاك للبنان من الخارج، مثل ما يحدث في عرسال وهو ما يتسبّب به النظام السوري وخصوصاً بالنسبة الى الطائفتين السنية والشيعية». ويلفت الى أن «تصريحات رئيس اللقاء النائب وليد جنبلاط كانت شديدة اللهجة في ما خصّ درء الفتنة عن لبنان». مشيراً الى أن «النواب كلّهم يسعون الى ذلك»، ويحذّر اللبنانيين من «الانجرار الى الفتنة»، مؤكداً أن «الدولة تقوم بكل ما بوسعها من اتّصالات خارجية وجهود لتحرير المخطوفين، وإذا توصّلت الحكومة الى تحرير العسكريين المخطوفين فإن قسماً كبيراً من المشاكل الطائفية يكون قد وجد طريقه الى الحلّ».
ويختم سعد «نحرص في تجمّعاتنا في المناطق كافة على التشديد على كل هذه القضايا ونطلب من جميع المواطنين التنبّه الى مخاطر الأحداث».
ويرى عضو كتلة «التنمية والتحرير» النائب علي خريس أن «قضية العسكريين المخطوفين تخصّ كل اللبنانيين من كل الطوائف وإن كانت الأولوية في ذلك لأهلهم، وعلى الجميع أن يعترفوا بذلك». ويشدّد على أن «سقف الدولة هو سقف الجميع، وعلى الدولة أن تتحمّل مسؤوليتها في هذا الإطار، ونحن ضدّ الخطف كما أننا نستنكر ردود الفعل عليها إن من حيث قطع الطرق أو على مستوى خطف أناس أبرياء».
ويرفض خريس ما وصفه بـ«حارة كل مين إيدو إلو»، ويؤكد أن»لا دويلات في قاموسنا ونحن ضدّ كل ما يسمّى بالدويلات وأن يتصرّف كل فرد على هواه، هناك سقف وعلى الجميع الالتزام به هو سقف الدولة».