حزب الله لم يهبط على الجنوب بالمظلة الايرانية. هو نتاج معاناة، هي معاناة الجبال. أي مقاومة في العالم لا بد أن تحتاج الى المساعدة الخارجية. كمثال نتوقف عند الانزال الأميركي في النورماندي، والذي اضطلع بدور محوري في ازالة الاحتلال النازي للقارة العجوز. ألا يحق لحزب الله أن يستعين بسوريا وبايران للتخلص من الأقدام الهمجية؟
لا قضية لـ”القوات اللبنانية” سوى ازالة سلاح حزب الله. من يحمي الجنوب في هذه الحال؟ الدولة التي تتسول الخبز لضباطها ولجنودها؟ السلاح اياه الذي لولاه ماذا كان أصاب بلدات القاع ورأس بعلبك ودير الأحمر، بل وكل البقاع، بل وكل لبنان، من أولئك الذين حملوا على ظهورهم ثقافة الكهوف وثقافة السواطير في تورا بورا؟
التأجيج السياسي والطائفي في ذروته ضد ذلك السلاح، بعدما كنا نتوقع تغييراً في العقل السياسي لـ”القوات”، وهي التي ترى أي نوع من البربرية على حدودنا. خلاف ذلك الدعوة، ولبنان عند المفترق الخطير، والمنطقة عند مفترقات خطيرة، الى لقاء للمعارضة لاحتواء حزب الله. المثير أن بيننا من لا يفقه ماذا قصد بنيامين نتنياهو بتعهده “تغيير الشرق الأوسط”. التغيير لا من بوابة غزة، وهي البوابة المقفلة، بل من بوابة لبنان بعدما قال يهوشوا ساغي، رئيس الاستخبارات العسكرية “الاسرائيلية” صيف 1982، “بيروت طريقنا الى سائر العواصم العربية”…. هنا الطريق الى دمشق وطهران، مروراً ببغداد وصنعاء.
هكذا “القوات” باصرارها على البقاء في عنق الزجاجة. أزمة الدوران في حلقة مفرغة، دون أي تأثير في مجرى الأحداث. التعبئة السياسية والطائفية ضد المقاومة في لبنان لا يمكن أن يكون لمصلحة المسيحيين، ولا هو منطق المسيحيين الذين أعطوا ميشال شيحا وموريس الجميل وميشال ادة بنظرتهم الى الأخطبوط “الاسرائيلي”.
الموارنة، وقد حفروا الصخر للبقاء، هم من عليهم أن يحفروا في الصخر لبقاء لبنان (لبنان بقوته لا بضعفه)، لبنان اللبناني الذي لا يمكن الا أن يكون لبنانياً. وحين يبذل المقاومون دماءهم فمن أجل لبنان اللبناني، لا لبنان الايراني ولا أي لبنان آخر.
قطعاً، لا نستطيع أن ننظر الى أفراد “القوات” الا كأشقاء (وليس فقط كشركاء)، أشقاء في الأرض وفي الحياة. شخصياً، أخجل أن أشبه من قال “هؤلاء لا يشبهونا” …
ذاك الشيء الذي حدث أضاء الكثير من زوايا الظل في المتاهة اللبنانية. السفير وليد البخاري، كممثل لخادم الحرمين الشريفين، وضع العباءة الملكية على كتفي سمير جعجع. العباءة التي لم توضع حتى على كتفيّ رفيق الحريري، وضعت على كتفيّ رئيس حزب ماروني، باستراتيجية العداء لسوريا وايران وحزب الله .
اخراج “القوات” من عنق الزجاجة، بعد ذلك الاجترار الممل واللامجدي للمواقف؟ الآن، يحق لـ”الحكيم” القول “أنا ملك الموارنة في لبنان”. لا وجود لا لجبران باسيل ولا لسليمان فرنجية ولا لسامي الجميّل. وليدرك ذلك سعد الحريري ووليد جنبلاط وفؤاد السنيورة، الذي ظن أن من الخطأ حضور لقاء ينتهي بتتويج شخصية غير سنيّة آمرة وأميرة على السنّة، وهم أهل الأمة…
من سنوات كان واضحاً أن مواقف جعجع تعكس النظرة السعودية الى الواقع السياسي اللبناني. وما يمكن أن يستشف من الاعلام السعودي أن لقصر اليمامة رؤيته المناقضة لرؤية “محور الممانعة” في موضوع “اليوم التالي”، أو السنوات التالية. نهاية حماس تعني بداية مرحلة جديدة في التعاطي مع القضية الفلسطينية. الورقة لن تبقى في أيدي آيات الله. في الظل، كلام كثير عن السيناريو البديل للمنطقة. ولكن، بعد كل تلك الفظاعات، كيف يمكن لعشرات آلاف الجثث أن تبقى في قبورها؟
هل حقاً أن المملكة تراهن على عودة دونالد ترامب الى البيت الأبيض؟ وهل حقاً أن هناك جهات لبنانية أخذت علماً بحرب “اسرائيلية” طاحنة ضد لبنان، الذي لن يعود الى الحياة الا بعد التحاقه بقهرمانات الهيكل؟
للعباءة الملكية على كتفي جعجع أكثر من معنى. أما رأي مرجعية سياسية تتقاطع عندها القنوات السياسية والديبلوماسية، فهو “… قد يكون ما حصل مكافأة نهاية الخدمة. صاحبنا بات خارج اللعبة. التسوية الداخلية وراء الباب. تسوية بين الأقوياء ومع الأقوياء”!!