Site icon IMLebanon

خراب البصرة

 

مضى حتى الآن، أكثر من ثلاثة أسابيع على استقالة الحكومة الائتلافية، استجابة لمطالب الثورة العارمة التي تجتاح لبنان منذ السابع عشر من شهر تشرين الأول الماضي ورئيس الجمهورية الذي أقسم يمين المحافظة على الدستور واحترام كل موجباته لم يدعُ بعد إلى استشارات نيابية ملزمة لتكليف من تسميه الأكثرية النيابية تشكيل حكومة جديدة تحافظ على انتظام عمل المؤسسات، وتحول دون حصول الفراغ في الحكم، ويعزو رئيس الجمهورية سبب التأخير إلى أن الأزمة التي تضرب البلاد من أقساها إلى أقساها منذ اندلاع الثورة الشعبية في وجه السلطة الحاكمة التي عاثت في الأرض فساداً وإفساداً حتى أوصلت الامور إلى ما وصلت إليه اليوم من تردٍّ على كل المستويات، لا سيما منها التردي الاقتصادي الذي بلغ درجة غير مسبوقة في تاريخ الدول تستدعي الاتفاق المسبق على شكل الحكومة العتيدة والحؤول بالتالي دون حصول الفراغ في السلطة التنفيذية ولو كان هذا التريث مخالفاً لأحكام الدستور اللبناني الذي نص على أن يُبادر رئيس الجمهورية إلى الدعوة فوراً لاجراء الاستشارات النيابية الملزمة لتشكيل الحكومة، وليس العكس كما هو حاصل حالياً.

 

في هذا الوقت، تزداد الثورة على الفساد تأججاً ويزداد الخوف من حصول ما لا تحمد عقباه في ظل وجود فريق من اللبنانيين لا يرى له وللجهات التي ينتمي إليها مصلحة في التغيير المنشود ويصر على المحافظة على الوضع القائم لأنه يضمن الغطاء الشرعي للمضي في القبض على كل مقدرات الدولة، في وجه من يراهم أعداء له في الداخل والخارج، وهم لا يستحون من المجاهرة بهذه الأسباب التي تدعوهم لرفض أي تغيير في هيكلية الدولة الحالية، ولو كان هذا التغيير مطلوباً حصوله من أكثر الشعب اللبناني الموجود منذ أكثر من ستة أسابيع في الشارع وفي الساحات العامة، لكي يطمئن إلى مستقبله ومستقبل الشباب العاطل عن العمل بسبب سوء إدارة السلطة للحكم منذ عشرات السنين والتي أوصلت البلد إلى حافة الإفلاس والانهيار وأوصلت النّاس إلى أدنى المستويات، أين منها المجاعة وانعدام كل فرص العمل أمام جيل الشباب، وهؤلاء أنفسهم بدأوا يستعدون لاعلان ثورة مضادة مستفيدين بذلك من تباطؤ رئيس الجمهورية في تشكيل حكومة، ومن فائض القوة الذي يعطيهم القدرة على فرض ما يريدونه على الشعب اللبناني المسالم والذي يُصرّ على ان تبقى ثورة على النظام الفاسد سلمية وحضارية كما هو واقع الحال حتى الساعة، وقد نجح في ذلك باعتراف المعترضين أنفسهم وكل دول وشعوب العالم، والاقرار بأن هذه الثورة هي من أشرف ثورات الشعوب التي حصلت منذ بدء التاريخ وحتى يومنا هذا سواء في أدائها السلمي وسواء في الأهداف التي تعمل على تحقيقها.

 

هذا الواقع الذي وصل إليه اللبنانيون الثائرون بأكثريتهم الساحقة على ظلم الحكام وعلى فسادهم الذي أوصل البلاد إلى حافة الانهيار ودفعهم إلى إعلان الثورة، أين منه السلطة التي تدعي انها مع الثورة على الفساد والمفسدين، وتسأل لماذا لا يزال رئيس الجمهورية يمتنع عن تشكيل حكومة جديدة، تريح الشارع الثائر وتفتح نافذة ضوء على المستقبل، ويخترع الذرائع لهذا التأخير غير عابئ بما يحصل في الشارع وبما يمكن أن تتطوّر إليه الأمور بعدما دخلت فئات على الخط لإسقاط الثورة والابقاء على الوضع الحالي كما هو كونها المستفيدة الأول منه، فهل المطلوب إخماد الثورة بثورة مضادة، كما حصل في اليومين الماضيين وتعميم الفتنة بين اللبنانيين، الجواب على هذا السؤال عند رئيس الجمهورية المؤتمن وحده على المحافظة على الدستور.