Site icon IMLebanon

أطلال لبنان!

 

تلقيت في الأيام القليلة الماضية، فجأة، العديد من الاتصالات من وسائل إعلامية لبنانية وشخصيات عامة مختلفة تستفسر عن مستقبل العلاقة بين السعودية ولبنان. تنهدت وأنا أسترجع ذكرياتي عن لبنان، ولأقارن بيني وبين نفسي ما مضى مع ما هو حاصل اليوم على أرض الواقع.

تعلمت في مدرستي المروج وبرمانا، وتعرفت فيها على علوم ومناهج وشخصيات كان لها الأثر المهم في حياتي. عشت في ضاحية خلوة بيروت، جيراننا منزل السيد حسين الحسيني واجهة مجلس النواب اللبناني وأحد أرقى من رأس المجلس، وواحد من أهم عرابي اتفاق الطائف الذي وضع حداً نهائياً للحرب الأهلية الدموية في لبنان. عرفته بصفته قامة من الأدب والوقار والاحترام والسياسة الراقية، فكم هو مفتقد اليوم – أطال الله في عمره.

عرفت غسان التويني الراحل العظيم الذي كانت في أيامه الصحافة حرة وسيدة ومنارة ومستقلة، كيف لا؟ وهو سيد «النهار» وناشرها الكبير. عرفت أيضاً نماذج من أساطير العلم والأدب والأعمال الذين لم يسمحوا لبلدهم أن يختطف مهما كانت قسوة الاحتلال الظاهري بمختلف أشكاله البشعة.

كانت الزيارة إلى بعلبك تعتبر بمثابة مفتاح مرور لحضارة أخرى، حيث ستقام فيها أهم مهرجانات الشرق الثقافية، فيهنأ العالم بمتابعة فيروز والرحبانية وكبار الفنانين من حول العالم، وفيها الاستمتاع بوجبة «صفيحة» بعلبكية على أصولها مع التلذذ بحميضة برية طيبة. اليوم تحولت هذه البقعة الجميلة من تاريخ لبنان المثير إلى مرتع للإرهاب والتطرف؛ منطقة مختطفة بالسلاح تزرع فيها أبشع أنواع المخدرات وتمارس فيها أسوأ أنواع الجريمة من خطف وسرقة وقتل وابتزاز وتهريب تحت عين البعض من العاجزين عن إيقاف هذا الوضع المأساوي الحزين.

هذا المشهد الذي يدور في مخيلتي يصور تبدل الحال في لبنان، بلد غيب فيه «كباره» و«الخواجات»، وبالتالي إذا سلمنا تماماً أن لبنان اليوم هو غير لبنان الأمس، وعليه فإن السعودية اليوم مع لبنان قد تكون مختلفة عما كانت عليه بالأمس. السعودية، مثل غيرها من الدول، ترغب في علاقة سوية وعادلة ومحترمة مع لبنان، ويبقى السؤال الأهم هل يرغب لبنان في النوعية نفسها من العلاقة معه؟ هناك العديد من المؤشرات والأدلة والبراهين التي يبدو فيها أن الأمور تسير في اتجاه غير مريح، وأن علامات الطمأنينة وبناء الثقة وتحسين الأجواء غير ظاهرة تماماً. الأسباب نفسها موجودة؛ فـ«حزب الله» الإرهابي يواصل إرسال مرتزقته إلى اليمن للمساعدة التقنية في تدريب إرهابيي الحوثيين وإطلاق الصواريخ الباليستية الإيرانية باتجاه السعودية. الحال اليوم بين لبنان ومعظم الدول العربية لا تطمئن أبداً. صوت الإنصاف والعدل ولبنان السيد الحر يغيب لصالح أصوات مهددة بالموت من قبل ميليشيات الموت.

الواقع أليم ونحزن ونحن لا نرى سوى أطلال لبنان الذي كنا نحب.