رحم اللّه الرئيس شارل حلو. كان يقول: حكم لبنان أصعب حكم دولة في العالم. يومها كان رئيس الجمهورية يتمتع بصلاحيات ما قبل الطائف، ولم تكن مأساة 1975 وما تلاها قد حلّت بهذا الوطن. صحيح أن الجمر كان تحت الرماد، وقد نجح الرئيس حلو في الدفع بكرة النار الى خليفته الرئيس المرحوم سليمان فرنجية فانفجرت بين يديه وبلبنان كلّه، ولكنّ الأصح إن كرة النار ما تزال تتناقل من عهد الى فراغ الى عهد حتى إستقرت في يد الرئيس العماد ميشال عون.
بدأت النيران تشتعل في الوطن الصغير المعذّب منذ العام 1968 تحديداً يوم استفاق لبنان، صبيحة ذلك «العام الجديد» على مطار بيروت يحترق جراء العدوان الإسرائيلي الأكبر (حتى ذلك الحين) و 13 طائرة لبنانية تحترق في أرض المطار الذي كان أحد أهم مطارات المنطقة برمتها…
وبدأت الأحداث تعصف في هذا الوطن، وراحت النيران تنتقل فيه من منطقة الى أخرى، ومن «ذريعة» الى سواها… وكان السبب المباشر الخلاف بين أطياف الميثاق الوطني على الوجود الفلسطيني المسلّح الذي تمادى الى حد إعلان أبو أياد أنّ طريق فلسطين تمرّ في جونيه. والمعنى واضح جداً.
وزاد في الطين بلّة «إتفاق القاهرة» الذي شرّع «فتح لاند» في الجنوب، وحوّل لبنان الى «محمية» لياسر عرفات ومن معه الذين لم يرحموا هذا الوطن الذي استقبلهم وفتح لهم الأبواب والقلوب في البداية، وكان مركزاً سياسياً – إعلامياً فريداً لهم. وبلغت التجاوزات حدوداً غير مقبولة وغير معقولة وغير مسبوقة على مرأى ومسمع وترحيب من إسرائيل أولاً (وقد كان لبنان ولا يزال هدفاً لها كونه النقيض…) ومن العالم كله لاحقاً.
ويجب الإعتراف بأنّ الدولة اللبنانية وقفت عاجزة أمام هذا الواقع، وازداد عجزها عندما تحوّل منتدى السفراء العرب الى عامل ضاغط لمصلحة المتجاوزين وتجاوزاتهم… حتى إذا اعتقلت السلطة فلسطينياً يتاجر بالممنوعات، توجه وفد من السفراء العرب بالتنديد والمطالبة بإطلاق «الأخ المناضل»… فيطلق سراحه تحت الضغط ليتحوّل الى بطل زمانه!
وكان ياسر عرفات يحضر (والصحيح يترأس) إجتماعات أطياف لبنانية فيقرّر و… ينفّذ.
وفي العام 1973 كان العدوان الإسرائيلي الآثم الذي اسفر عن استشهاد ثلاثة قادة فلسطينيين (كمال ناصر وكمال عدوان وأبو يوسف النجار) في عملية إنزال فرقة كومندوس بحراً (…) ثم كانت مواجهة المخيمات وسقوط حكومة الرئيس المرحوم أمين الحافظ لأنّ الرئيس المرحوم كميل شمعون رفض بقوة أن تمثل الحكومة أمام مجلس النواب وتنال الثقة (التي كانت مضمونة بأكثرية وازنة) لأنه لا يجوز فرض أمر واقع على أهل السنة الذين كانوا، بأكثريتهم ضد تلك الحكومة…
… وكانت أحداث 1975 المأساوية التي شهدت الفظيع من المآسي وأسفرت عن إتفاقية الطائف التي أُسيء تنفيذها في زمن الوصاية السورية التي نجحت في «تطفيش» قوات الردع العربية والإستئثار بالساحة اللبنانية أمنياً وسياسياً و … مغانم!
وما زال الإختلال حتى اليوم لدرجة فلتان سياسي غير مسبوق، حتى إذا أراد رئيس جمهورية قوي، مثال العماد ميشال عون أن يدلي بتصريح يراعي فيه التوازنات الدقيقة، قامت الدنيا ولم تقعد.