Site icon IMLebanon

ضوابط القانون العتيد.. واهتمامات المواطنين

استراح اللبنانيون بشكل أو بآخر لاتفاق أقطاب الحياة السياسية على الاطار العام لقانون الانتخاب العتيد، نسبية بخمس عشرة دائرة، ليعود التوجس فيرتفع كلما تضاءلت المدة التي تفصلنا عن انتهاء مدة التمديد الثاني للمجلس النيابي المنتخب قبل ثماني سنوات، من دون مخرج، وبعد أن تجاوزنا الدورة التشريعية العادية للمجلس منذ نحو شهر. إرجاء الجلسة التشريعية التي كانت مقررة اليوم الى نهار الجمعة قد يعطي مزيداً من الوقت للمشاورات بهدف الاتفاق على ضوابط القانون العتيد، وماهية الصوت التفضيلي، اذا كان على أساس القضاء أو على أساس الدائرة، وغير ذلك من الجوانب التي لم يسطر اتفاق حولها بعد، وليس أقلها ضرب موعد واقعي ومتفق عليه بين جميع الأطراف للاستحقاق النيابي.

وما يعيشه الاقليم من أزمات وخلافات واصطفافات وخلط أوراق، يؤثر تحديداً على مسألة «تعيين» موعد الانتخابات، وما اذا كانت بعد أشهر، أو نصف سنة، أو سنة. الأهم من ذلك، أن المتابعة السياسية اليومية تنحو أكثر فأكثر عند عموم الناس لمتابعة ما يجري حولنا أكثر من متابعة ما يجري على صعيد ورشة قانون الانتخاب الدائرة في حلقة مضجرة بالنسبة الى الكثيرين منذ فترة طويلة.

فعلى الرغم من أن المساحة الزمنية للبرلمان الحالي تضيق، وقانون الانتخاب اتفق على اطاره من دون تنضيد بنوده كافة بعد، الا أن أنظار الناس ليست «مشدودة» على هذا الصعيد. أنظار الناس متجهة اما الى ما يحصل حولنا، واما الى الضحايا الذين يسقطون من بين الناس،جراء فوضى السلاح، وتفشي مناخات الجريمة، والشعور العام بأنّه ليس هناك من رادع أو معاقب للجناة، وأن الأمور سائبة.

ما بين الاهتمامات «العربية والدولية» للمواطنين، وما بين شعورهم بشكل أصبح شبه يومي بأن القتل يحدث في مجتمعنا لأتفه الأسباب، وبأن التفلت الأمني بات يحتاج الى أوسع ورشة قضائية – أمنية – اجتماعية – ثقافية، يتضاءل في المقابل الاهتمام بالانتخابات، في مرحلة ما بعد اتفاق الاقطاب على الاطار العام لقانونها. هذا في وقت، يفترض أن يكون الضغط الشعبي على التركيبة الحاكمة يومياً وواسعاً من أجل الدفع باتجاه التوصل النهائي الى هذا القانون العتيد، والاستعداد للاستحقاق في اثر ذلك.

فوضى السلاح، وارتفاع معدل الجريمة، من تداعيات تخلع العقد الاجتماعي، والأمن الاجتماعي للمواطنين. في الوقت نفسه، هناك اليوم طريقتان في اثارة قضية السلاح غير المنضبط. واحدة تسلك مسار العودة الى القضية الأكبر: مسألة السلاح الخارج عن إمرة الشرعية اللبنانية وكنفها، وثانية تسلك مسار الانطواء، والتركيز على قضية التسيب العنفي في المجتمع، لإغفال القضية المركزية، قضية وجود منظمات مسلحة خارجة عن كنف الدولة. هناك رابطة قوية بين القضيتين، لكن هذه لا تختزل في تلك. طرحهما في وقت واحد، وبالتوازي، عليه أن يقوم على تمييز واضح بينهما. هناك مشكلة تفشي العنف بأشكال فردية خطيرة داخل المجتمع، انما بما يشي بأزمة حقيقية للعقد الاجتماعي اللبناني. وهناك مشكلة مختلفة، وإن كانت مرتبطة بالأولى، وهي مشكلة عدم احتكار الدولة لمنظومة العنف الشرعي. فصل المشكلة الأولى عن الثانية كما فصل الثانية عن الأولى يفقدنا السبيل للمعالجة هنا وهناك. فصلهما عن بعض يمنعنا أيضاً من اعادة الربط بالقضية الأساس: ثمة عقد اجتماعي لبناني متصدع للغاية، واستصلاحه هو المدخل للبحث في قانون الانتخاب، في الانتخابات، في تمكين القضاء، في محاربة الجريمة، في اعادة طرح مشكلة السلاح الخارج عن إمرة الدولة، وفي بلورة سياسة خارجية لبنانية جادة في العمل من أجل إنقاذ هذه المنطقة من العالم من الانفلاش الميليشيوي المتنقل من بلد الى آخر.