حرب سوريا محكومة، مثل سلامها، بمعادلة دقيقة وخطيرة معا. إذ هي كانت ولا تزال تدور بألعاب مكشوفة وتدار ب أجندات ليست متطابقة حتى بين الحلفاء في كل جانب. وليس في تطوراتها المتسارعة ومفاجآتها لمصلحة هذا الطرف أو ذاك سوى ما كانت مقدماته واضحة. فلا مجال لحجب التباين في المواقف من الترتيب الذي توافق عليه الرئيسان فلاديمير بوتين ورجب طيب أردوغان في سوتشي حول ادلب برغم الترحيب الواسع به في الخطاب حتى من الذين يفضّلون معركة عسكرية. وليس من أسرار الآلهة ان تركيا الآن في امتحان حسّاس جدا هو التخلّص بشكل أو بآخر من متشددين ارهابيين ينتمون الى الشيشان في الاتحاد الروسي والايغور في الصين وأماكن أخرى وكانوا من الأهداف المسلحة لأي هجوم عسكري.
والسؤال لا يزال حائرا: هل تنجح أنقرة في الامتحان بالشراكة مع موسكو بحيث تصبح الأولوية للتسوية السياسية في سوريا أم تفشل وتبدو معركة ادلب مؤجلة، لا ملغاة، كما توحي أصوات مرتفعة في موسكو ودمشق وطهران؟ والى أي حدّ يستطيع اللاعب القوي والبارع بوتين الحفاظ على توازن المصالح بين قوى متخاصمة، وارضاء الله والشيطان كما يقال؟
أحدث تجربة في امتحان البراعة الروسية هي اسقاط طائرة ايل – ٢٠ روسية بصاروخ من صنع روسي أطلقته قوات سورية صديقة بالغلط خلال التصدّي لغارة جوية اسرائيلية على مواقع حسّاسة في محافظة اللاذقية. فالتركيز على اسقاط الطائرة الروسية بأكثر من الاعتداء الاسرائيلي هو تمارين في العبث على طريقة الرهان على مهمة مستحيلة هي الشجرة التي تحجب غابة. والسرّ مكشوف في خانة الاحراج.
ذلك ان النظام محرج بالحاجة الى القوة الروسية والقوة الايرانية لاستكمال السيطرة على الأرض، والتسليم بالمصالح الروسية، وضعف الرد على غارات اسرائيلية طاولت مطار دمشق ومطار تي تو ومصياف واللاذقية ودير الزور وأماكن أخرى. والروس محرجون بالتنسيق مع اسرائيل والسماح لها بالغارات على أهداف ايرانية، وابقاء أميركا في حساباتهم، والتزام الحدّ من الوجود العسكري الايراني في سوريا. والايرانيون محرجون بالعجز عن حماية مواقع قواتهم وأسلحتهم ولا سيما منها المعدّة لأن يتسلمها حزب الله.
وليس أمرا قليل الدلالات ان يعلن الناطق باسم الكرملين ديمتري بيسكوف انه لا اتصال بين الرئيس بوتين والرئيس الأسد بعد حادث الطائرة الذي وضعه بوتين في اطار سلسلة ظروف عرضية مأسوية. ولا ان يعلن نتنياهو بعد اتصال مع بوتين الذي اعتبر الغارة الاسرائيلية خرقا للسيادة السورية ان اسرائيل مصرّة على استمرار الغارات ضد الأهداف الايرانية.
والشجرة لا تحجب غابة.