Site icon IMLebanon

بعد 8 سنوات على تدخّلها هل نسيت روسيا دورها في سوريا؟!

 

قبل ثلاثة أيام عبرت الذكرى السنوية الثامنة للتدخّل الروسي في الأزمة السورية، في توقيت بُنيت عليه سيناريوهات عدة، ثبت أنّ بعضها كان منطقياً لمجرد القول إنّه أنهى سيطرة «داعش» على التلال المشرفة على الساحل السوري. وأخرى سقطت بمرور الزمن، كالقول إنّ الأزمة انتهت باستعادة سوريا وحدتها ونازحيها، في ظل نظام ودستور جديدين. وعليه ما الذي تقود إليه أي قراءة سريعة لهذه المناسبة.

في ساعة متقدّمة من ليل 30 أيلول – الأول من تشرين الاول من العام 2015 نقلت الأنباء العاجلة عن بدء الطيران الروسي غارات جوية متلاحقة على عشرات المواقع العائدة لما سُمّي بـ «تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا والعراق» المعروفة بـ «داعش» وحلفائها المحليين من المنظمات السورية ومن الجنسيات المتعددة، في مناطق عدة في العمق السوري من محيط العاصمة الى شمال – غرب البلاد، ولا سيما على التلال المشرفة على الساحل السوري، ومنها تلك القريبة من الساحل السوري – التركي، بعدما انشغل العالم بأخبار سيطرة هذه المجموعات على تلك التلال، وانتشرت صورة كالنار في الهشيم لـ «داعشي» يتباهى بأنّه «غمس» رجليه في مياه البحر الأبيض المتوسط في منطقة «السمرا» شمال اللاذقية وعلى بعد كيلومترات قليلة من الحدود التركية.

وعلى وقع ردّات الفعل التي فاجأت العالم الذي كان يترقّب تطورات الحرب السورية منذ اندلعت شرارتها الاولى في 16 آذار 2011 من مدينة درعا جنوبي البلاد، قبل أن تشمل المناطق المحيطة بالعاصمة السورية وغوطتها الغربية، بما فيها المخيمات الفلسطينية في اليرموك ومحيطه في غضون أسابيع عدة، جاءت الغزوة التي قامت بها «داعش» في 24 حزيران 2014 للأراضي السورية المحاذية للحدود العراقية، بآلياتها وأسلحتها الأميركية الصنع التي استولت عليها من ثكنات الجيش العراقي نتيجة الانقلاب المفاجئ الذي انطلق من الموصل في 10 حزيران 2014 ليجتاح في غضون اقل من اسبوعين اكثر من 25 مدينة عراقية في محافظات ومدن عدة في وسط وشمال وغرب الدولة وعمقها، والتي تجاوزت مساحتها 45 % من مساحة الأراضي العراقية.

وتزامناً مع الأحداث المتسارعة التي تسبّب بها اجتياح «داعش» للأراضي السورية، والذي استدعى التدخّل الروسي في اوائل تشرين الاول 2015 لوضع حدّ له، بعدما هدّد أمن القاعدة الروسية البحرية في ميناء طرطوس منذ نهاية سبعينيات القرن الماضي، والقاعدة الجوية في مطار حميميم في محافظة اللاذقية، كان العراق ومعه وحدات عسكرية من «التحالف الدولي» الذي ضمّ 40 دولة من مختلف القارات، قد أنهى تحضيراته لإطلاق عملية «تطهير العراق» من القوة الجديدة التي أرعبتهم، بعدما قتلت عشرات الآلاف وشرّدت الملايين من أبنائه. فاشتعلت الساحتان السورية والعراقية دفعة واحدة لفترة أعقبت الهجوم الدولي لاستعادة السيطرة على الموصل والمحافظات العراقية الكبرى التي وقعت تحت سيطرة «داعش» ابتداءً من تشرين الأول عام 2016 ولمدة 10 اشهر، انتهت بطرد «داعش» مطلع تموز 2017 وسقوط ربع مليون قتيل وجريح، عدا عن المفقودين الذين يقّدر عددهم بـ 11 الفاً وتدمير المدن العراقية وبنيتها التحتية بما يقّدر بعشرات مليارات الدولارات.

لم يكن هذا العرض سوى لإنعاش الذاكرة وتقديم الصورة المحيطة بما سبق ورافق وتلى صدور القرار الروسي بالتدخّل في سوريا بقوته العسكرية مباشرة، تلبيةً لدعوة تلقّاها من الرئيس السوري بشار الأسد وحكومته، لتبرير القوة التي استخدمها في مواجهة ما كان يجري على الساحة السورية من تحوّلات خطيرة، فيما كانت قوات الحلف الدولي ضدّ داعش قد بدأت عمليتها العسكرية في العراق في بداية تشرين الأول من العام 2016 بعد مرور سنة كاملة على التدخّل الروسي في سوريا، الى أن انتهت في خلال 10 أشهر بإنهاء وجود «داعش» في المحافظات والمدن العراقية في تموز 2017.

وبمعزل عن مختلف هذه التطورات على ساحة المنطقة كاملة – تقول المراجع الديبلوماسية والعسكرية – إنّ التدخّل الروسي في سوريا اكتسب غطاءً شرعياً سورياً لتبرير ما قامت به موسكو، سواء كانت العملية العسكرية وما جنّدت لها من قوة عسكرية متطورة – قياساً على حجم التسلّح الذي تتمتع به المنظمات السورية المحلية وتلك الارهابية – أو سواء كانت بناءً لطلب سوري مباشر او بتدخّل إيراني نُسب الى قائد الحرس الثوري الايراني اللواء قاسم سليماني، الذي أقنع الروس قبل فترة قصيرة بضرورة التدخّل قبل انهيار الهيكل السوري كاملاً.

لكن موسكو لم تكتف بما اتخذته من إجراءات دولية لـ «تشريع» عمليتها العسكرية في سوريا، فقد لجأت ـ ومنذ اللحظة الاولى لعملياتها العسكرية – إلى أكثر من خطوة غير تقليدية وبقيت خارج ما هو متعارف عليه دولياً في الأزمات المشابهة. ففي الوقت الذي ندّدت فيه حكومات الولايات المتحدة وألمانيا والمملكة المتحدة وفرنسا والسعودية وقطر وتركيا بالضربات الجوية التي وجّهتها روسيا في الساعات الأولى للضربات الجوية في بيان مشترك صدر صباح الأول من تشرين الأول، وما انتهت إليه من ضحايا بين المدنيين في كل من حماة وحمص وإدلب من دون ان تستهدف مواقع «داعش» كما قالت، بهدف التشكيك بقانونية العملية وشرعيتها الدولية، ردّت موسكو مكتفية بالتسلّح بالموقف السرّي النظامي، وبالاعلان عن «تأييد الكنيسة الروسية الأرثوذكسية» التي عبّرت عن «دعمها للتدخّل الروسي واصفةً إياه بالمعركة المقدّسة ضدّ الإرهاب». كما بالتصريح الذي أدلى به «رئيس الإدارة الروحية المركزية للمسلمين» في روسيا طلعت تاج الدين، والذي قال فيه «نحن ندعم تماماً استخدام وحدات من القوات المسلحة الروسية في القتال ضدّ الإرهاب الدولي».

ولما نجحت موسكو بحق النقض الذي تمتلكه في تعطيل أي قرار في مجلس الأمن الدولي لإدانة ما حصل في سوريا، لجأت في سعيها الى الحلول السياسية والديبلوماسية والدستورية بالتعاون مع الدول المؤيّدة لها ومنها ايران وتركيا ودول أخرى من الإتحاد السوفياتي السابق، إلى اطلاق مجموعة من المسارات بطريقة متدرجة، بدأت بـ «مسار استانة» مطلع العام 2017، بعد تعطيل «مسار جنيف»، بمشاركة ما سمّته «معارضة الداخل» الى جانب من يمثل «المعارضة المسلّحة»، لتعطيل فاعلية المجموعتين، وكل ذلك بهدف تغييب القوى الغربية المناهضة للعملية والاحتفاظ بشريكيها التركي والإيراني ومعهما دول اخرى من محور «الممانعة» كمراقبين، من دون أن تتجاهل الموفدين الأمميين بالصفة عينها. فلعبت بذلك على الوقت على مدى عامين تقريباً، استفادت خلالهما باستخدام مقرّها الدائم في الأمم المتحدة لمناقشة قضايا سياسية ودستورية وقانونية، بطرحها مشروعها لـ «الدستور السوري» الجديد، قبل ان تعود مرة أخرى الى البحث في مصير ملايين النازحين السوريين، فقدّمت مشروعاً فاقت كلفته 8 مليارات من الدولارات – من دون أن تمتلك واحداً منها – لنقل النازحين من حوالى 86 دولة في العالم، بعدما بيّنت وجود المئات وربما العشرات في بعض الجزر والدول البعيدة، عدا عن الملايين الـ 6 في لبنان والأردن وتركيا.

وختاماً، وبالنظر الى استحالة البحث في مختلف زوايا الدور الروسي في سوريا، ثمة هناك سيناريو دولي سقط نهائياً ولم يعد يتناوله أحد. هو الذي تحدث عن انهيار الاقتصاد الروسي- وربما آلتها العسكرية ايضاً- قبل ان تُقدم من دون التخلّي عن دورها في سوريا على «العملية العسكرية الخاصة» بغزو اوكرانيا، حيث تخوض أشرس المعارك الاقليمية والدولية منذ 23 شباط 2022، وسط إجراءات نفطية واقتصادية في مواجهة العقوبات الاميركية والاوروبية، الى درجة باتت تتحكّم فيها بأسواق النفط والغاز العالمية، عدا عن قدرتها على التسبّب بأسوأ أزمة غذائية في العالم نتيجة حصار مصادرها في أوكرانيا. وعليه هل يصح السؤال أنّ روسيا نسيت دورها في سوريا؟